توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا وصراع الجنرالين

  مصر اليوم -

ليبيا وصراع الجنرالين

بقلم: د. جبريل العبيدي

ليبيا ليست طرفاً في الصراع في السودان، وهذا ببساطة لأن لها مشكلاتها ووضعها المنقسم سياسياً وجغرافياً، منذ أن دكَّها «الأطلسي» دكّاً دكّاً. وهي ليست في حاجة لتكون طرفاً في اقتتال عساكر السودان أو حتى نخبه السياسية، لأنها ستكون أول المكتوين بنار تلك الحرب في حالة استمرارها، ولا أعتقد أن الحرب القصيرة حتى الآن استنزفت مخازن الذخيرة لدى الجنرالين حتى تحتاج إلى تمويل افتراضي من ليبيا.

ما نشرته صحيفة «الغارديان» حول دعم الجيش الليبي للجنرال حميدتي يعد خبراً يفتقر إلى المهنية الصحافية، بل خروجاً عن المهنية الإعلامية، لافتقاره إلى المصدر الموثوق، خصوصاً أن النفي جاء من الجنرال عبد الفتاح البرهان المنافس لحميدتي، قبل أن ينشر الجيش الليبي بياناً بالنفي المطلق.

ولكن استمر نشر الأخبار المشابهة بنظام النسخ واللصق الحاسوبي، حيث نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» خبراً نسبته إلى مصادر زعمت أنها «مطلعة» مفاده أن «المشير حفتر أرسل شحنة ذخيرة، من ليبيا إلى السودان، لتعزيز إمدادات الجنرال حميدتي»، من دون أن تقدم دليلاً على صحة ما نشرت كما تقتضي الأمانة المهنية.

ليستمر مسلسل نشر الأخبار من دون دليل ومن صحف من المفترض أنها تمتلك قدراً عالياً من المهنية والشفافية، حيث قالت جريدة «واشنطن بوست» الأميركية إن «قوات الدعم السريع» السودانية بقيادة حميدتي تلقت نحو 30 ناقلة وقود وشحنة إمدادات عسكرية على الأقل من أحد أبناء المشير خليفة حفتر، وأشارت الجريدة إلى حصولها على تلك المعلومات من مسؤولين ليبيين ودبلوماسيين، من دون الكشف عن هويتهم. وكما هو معلوم أن ليبيا تشهد انقساماً سياسياً منذ عشرة أعوام، وبالتالي سيكون هناك مسؤولون ليبيون ينقلون أخباراً غير دقيقة تتماشى مع توجههم واصطفافهم السياسي، وبالتالي كان على هذه الصحيفة وغيرها تحري دقة المعلومة، بعيداً عن التصريحات والتهم الكيدية بين الفرقاء السياسيين في ليبيا.

وبعد اتهام الجيش الليبي بدعم «قوات الدعم السريع» والجنرال حميدتي، جاء الدور على اتهام المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، مما يؤكد حالة التخبط في توجيه التهم الكيدية لإقحام ليبيا طرفاً في صراع ستكون هي أول من سيجني تداعياته الثقيلة من موجات هجرة ونزوح نحو الأراضي الليبية، ونشاط للميليشيات وزعزعة الاستقرار في المنطقة الحدودية بين ليبيا والسودان وتشاد، خصوصاً في ظل هشاشة الوضع الأمني الحدودي.

اتهام المؤسسة الوطنية للنفط الليبية جاء ضمن خبر نشره ناشط سياسي أميركي من أصل ليبي، حيث قال: «إن المؤسسة قد تتعرض لعقوبات دولية بسبب دعم أحد أطراف الصراع في دولة السودان عن طريق مصفاة (السرير)»، بينما نفت المؤسسة الليبية دعمها أياً من طرفي الصراع في السودان، بل أعلنت أنها ستلاحق قضائياً كل من ينشر أخباراً كاذبة عنها.

هذه الاتهامات من دون ذكر دليل واحد، تعد تخرصات وتضليلاً إعلامياً خارج أي معيار مهني، بـل تعد خلطاً للأوراق بين بلدين (ليبيا والسودان) جمعتهما الحروب والاقتتال، وليسا في حاجة لمن يشعل النيران بينهما، فهمومهما الداخلية أكبر وأثقل من فتنة صحافية عبر أخبار كاذبة. وتصوير علاقة كروية بين أحد أبناء المشير قائد الجيش الليبي وفريق الهلال السوداني على أنها مصدر تمويل للجنرال حميدتي، يعد نوعاً من الغباء المهني في تحليل المعلومة، فلا يمكن اتهام الجيش الليبي بتمويل الحرب في السودان بسبب علاقة كروية، كما جاء ذكره في تقارير صحافية تفتقر إلى المهنية.

المواجهات والعنف والقتال في السودان، بعد تمرد عسكري أعلنته «قوات الدعم السريع»، كارثة كبرى تواجه السلم المجتمعي في السودان، وهذا لن يكون بمعزل عن ليبيا وتشاد، خصوصاً أن هناك تقاطعاً قبلياً، ومساحات حدودية خارج السيطرة بين ليبيا وتشاد والسودان، منذ القطف الأطلسي الماكر لليبيا عام 2011، وبالتالي أي إذكاء لنيران الحرب والقتال في السودان ليس من الحكمة خصوصاً للجانب الليبي، المتضرر الأول من انفلات الأمن وخروج الوضع عن السيطرة في السودان.

ولكن أيضاً تبقى الأزمة في السودان والصراع داخل مؤسسة العسكر تحديداً لا يمكن اختزالها في خلاف شخصي بين الجنرالين، البرهان وحميدتي، أو حتى في «ميليشيا متمردة»، فكلا الوصفين غير دقيق لتوصيف صراع له جذور قَبلية وحتى إثنية بين القبائل العربية والقبائل «الأفريقية» حول ملكية الأراضي خصوصاً الزراعية.

فالسودان، الغارق في الفساد، يعاني فيه -وفق تقارير أممية- ما يقارب من نصف السكان الفقر المدقع، وكان في إمكانه أن يكون سلة غذاء العالم العربي، وهو ليس في حاجة إلى صراع واقتتال بين عساكره ينتهي بمزيد من الضحايا بين المدنيين الذين يزعم طرفا الصراع الحفاظ عليهم وتسليم السلطة لهم، بينما هم يتساقطون بالعشرات بين نيران كانت حتى الأمس القريب نيراناً صديقة

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا وصراع الجنرالين ليبيا وصراع الجنرالين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon