توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قراءة في الوحدة الليبية

  مصر اليوم -

قراءة في الوحدة الليبية

بقلم :د. جبريل العبيدي

وحدة التراب الليبي التي تمر اليوم بمراحل تهدد سلامة وحدة أراضيها، بين دعوات للانفصال بدعوى الشعور بالتهميش، ومطالب أخرى بسبب قسمة ضيزي في المناصب السياسية وتوزيع الثروات، تقاطعت مع دعوات أخرى لفك الارتباط بين أقاليمها لصالح مشروعات استعمارية قديمة تتجدد من حين لآخر لتقسيم ليبيا ليسهل نهب ثرواتها وإعادة ترسيم حدودها بين جيرانها الـ6، ناهيك عن محاولة لإيجاد حدود بحرية مع ليبيا هي من الخيال الجغرافي كما هي في اتفاقية الحدود بين حكومة الوفاق سابقاً والحكومة التركية التي ترسم حدوداً جغرافية ليست واقعية مع الجغرافيا.
ولعل من تبعات أي مشروع خبيث لتقسيم ليبيا، أنه سيكون بمثابة تغيير في الحدود والمياه الإقليمية بتغيير الجغرافيا بالتقسيم، ما يعني مطالبة جميع دول جوار «ليبيا المقسمة» بإعادة ترسيم الحدود مع الدول الجديدة، التي نتجت عن تقسيم ليبيا، فستنازع الدول التي تحيط بليبيا (المقسمة) ناهيك عن دول حوض البحر المتوسط، ومن ثم سوف تقل مساحتها وعمقها في البحر، ما قد ينتج عنه فقدان حقول وامتيازات نفط وغاز، في البحر المتوسط، بحكم نزاع التقسيم والدويلات الوليدة، كما أن أي دعوات لتشكيل كيانات إثنية، تكون مهداً لتفتيت وتقسيم الوطن.
فالوحدة بين الأقاليم الليبية الثلاثة، كانت حجر الزاوية في قيام ليبيا الحديثة، ليبيا التي تكاثر حولها الطامعون اليوم، مما انتهى بها الحال إلى حافة الانهيار بعد مراحل من الفوضى والفشل أنتجها تسونامي «الربيع العربي»، الذي كانت فوضى ليبيا إحدى نتائجه المدمرة.
فقد تمثلت الوحدة الليبية بين أقاليم ليبيا الثلاثة؛ طرابلس وفزان وبرقة، التي قالت عنها الكاهنة البونيقية: «إن كل من يتلكأ في النزوح إلى ليبيا الفاتنة، ولا يضع يده على نصيب من أرضها، فإنه سيعض يديه ندماً لا محالة».. ويبدو أن مطامع البعض اليوم تستند إلى التأثر بكلام كاهنة معبد البونيقية.
بُرقة كانت حجر الزاوية في الوحدة الليبية مع إقليم طرابلس وإقليم فزان، فبرقة أو Cyrenaica اسم تاريخي لإقليم جغرافي وجزء أصيل مكون لليبيا الحديثة، فبرقة لفظ تاريخي واسم عمره مئات السنين أطلق للمرة الأولى عام 644 ميلادياً، وذكره ابن خلدون في مقدمته وذكرها عمر بن الخطاب سنة 21 هجرياً عندما طلب من عمرو بن العاص فتحها، والتقى على أرضها سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحسن والحسين، رضي الله عنهما، في جيش عقبة بن نافع.
بُرقة العربية لم تعرف يوماً ولاءً ولا تبعية لأي كيان مجاور، ولا حتى لمصر الكنانة، في أي زمن سابق أو لاحق، ولعل ما ذكره المؤرخ الليبي البارز عبد الكريم الوافي «إن صفة ليبي كانت تطلق على سكان أفريقيا الشمالية بوجه عام وبوجه خاص على سكان برقة»، يؤكد هوية ليبيا الخالصة، فالتاريخ أيضاً يتحدث عن أن اسم ليبيا كان يطلق على شمال القارة الأفريقية بالكامل، ابتداءً من غرب النيل حتى المحيط.
بُرقة حجر زاوية الوحدة الليبية ذكرها المؤرخ العربي نيقولا زيادة في كتابه «برقة الدولة العربية الثامنة» التي أعلنت في غرة يونيو (حزيران) عام 1949 بعد اجتماع المؤتمر الوطني في قصر المنار في بنغازي، وتسمية إدريس السنوسي أميراً عليها، الذي أصبح ملكاً على ليبيا المتحدة بعد مفاوضات عسيرة الولادة كان بعضها تحت إشراف أشهر قياداتها الطاهر الزاوي، الذي قال في كتابه «جهاد الأبطال في طرابلس الغرب» (ص 533): «إن كلمة ليبيا أحدثها الطليان وفي اعتقادي أحدثوها لغرض سياسي هو القضاء على كلمتي طرابلس وبرقة».
رغم المعارضين ودعاة الانفصال تبقى الوحدة الليبية صمام أمان أمام خطر التقسيم، بمشروعات متعددة الأوجه والنكهات والشعارات، ليس آخرها مشروع الأميركي سباستيان غوركا الذي أساء إلى الدين الحنيف، فقد سبقه مشروع قديم هو مشروع بيفن سيفورزا الخاص بليبيا في عام 1949 الذي كان يقضي بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان، وجميعها فشلت في تقسيم ليبيا، وإنهاء حالة الوحدة الليبية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قراءة في الوحدة الليبية قراءة في الوحدة الليبية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon