بقلم: د. جبريل العبيدي
بعد التخلي التركي عن الشريك الإخواني في مشروعه «العثمانية الثانية» أو «الخلافة» بالمفهوم والرؤية الإخوانية، يواجه تنظيم الإخوان هذه الأيام حالة الشتات الثاني بعد الشتات الأول الذي أعقب الرفض المجتمعي حتى في البلدان التي استوطنها لسنوات، فهذه تركيا الآن تعيد ترتيب علاقتها بالتنظيم والجماعة، في محاولة تعتبر شبه فك ارتباط بالجماعة وماضيها الدموي، ما اضطر قيادات بارزة لمغادرة الباب العالي إلى ماليزيا وبريطانيا (بلد المنشأ)، فالتنظيم يواجه حالة تيهٍ وشتات، بعد أن كاد يستقر لسنوات في تركيا.
منذ سقوط حكم المرشد ونهاية حكم تنظيم الإخوان في مصر، والتنظيم الدولي يسعى إلى إيجاد قاعدة وبيت مال بديل، ولم يجدوا أفضل من ليبيا، حيث المال الوفير والفوضى العارمة، التي أحدثها حلف الأطلسي بإسقاطه للدولة الليبية في فبراير (شباط) 2011، من دون إيجاد بديل، وتركها تعصف بها الميليشيات والجماعات العابرة للحدود، والتي على رأسها تنظيم الإخوان، ما جعل من ليبيا وشعبها ضحية قبل غيرها لشرور هذه الجماعات التي تنهب ثرواتها ومكنت مرتزقة أجانب من أراضيها.
محاولات أخونة ليبيا التي يرفضها الشارع الليبي، الممثل في القبائل، قابلها حراك مجتمعي وسياسي ونيابي في تونس يطالب قيادات «النهضة»، وعلى رأسهم الغنوشي الذي ترأس مجلس النواب، باحترام السيادة الوطنية والتوقف عن مشروع أخونة الدولة التونسية.
فتنظيم الإخوان هو صناعة استخباراتية عالمية قديمة لتوظيفه في مهام عديدة، منها مواجهة القوميين العرب في حينها، وهو - أي تنظيم الإخوان - أنتج التنظيمات الإرهابية التي تتبنى الفكر القطبي الذي يدعو إلى تكفير الدولة ويتبنى فكر حسن البنا الإقصائي، حيث يحتكر الدين بالزعم بأنهم «الإخوان المسلمون» حيث اختزل الإسلام في جماعته حصراً.
لكن التنظيم لم يكن مقصوراً على مَن صنعه، بل تمدد إلى قوى كثيرة تقاطعت مصالحها مع منهجية التنظيم كبندقية مستأجرة وحصان طروادة داخل بلدانها، وكعميل لا يتردد في أي فعل يمكّنه من الوصول إلى السلطة، مستغلاً الزعم بالعمل «الدعوي» شعار التنظيم المعلن، وهو ما مكّن التنظيم من سهولة الانتشار، واستقطاب الأعضاء وحتى الأصدقاء والمحبين والمتعاطفين. التنظيم لا يُخفي تبنيه لأفكار متشددة، ومنها أفكار سيد قطب، التي استنسخها من المفكر الهندي أبو الأعلى المودودي، والتي تبنى فيها مفهوماً مبتدعاً سمّاه «الحاكمية» برر فيه تكفير المجتمع، ما برّر لأنصاره الاعتداء، الذي يمارسه جناح التنظيم السري أو الخاص، خاصة أنه يخفي الجناح السري له، ولا يطلع عليه سوى أعضاء الجماعة المقربين، خاصة بعد اتساع رقعة عمل التنظيم الخاص أو السري في بلدان مختلفة.
فالتنظيم مارس الابتداع الديني، فتحالف مع الصفويين وغيرهم واستخدمهم في فرض رؤيته السياسية على خصومه، في حين كان مفلساً سياسياً نتيجة براغماتيته في التعاطي، بل وسرعان ما ينقلب على مَن تحالف معهم، فقد تحالف في السبعينات مع الرئيس السادات، ثم غدر به وقتله في الثمانينات وقام باللعبة نفسها مع القذافي، حيث تحالف مع نظامه، وأعلن التوبة والمراجعات الفقهية في 2007 بمباركة كبيرهم القرضاوي، ثم سرعان ما انقلبوا على القذافي في 2011، ولذلك أي رهانات على تطويع وإعادة تدوير هذا التنظيم مصيرها الفشل.
فالتنظيم يستخدم التقية السياسية للتموضع والهروب من الأزمات، ومحاولات التنظيم لا تنتهي بمحاولة أخونة المجتمعات التي يوجد وسطها، كما أنهم إذا خسروا يتنكرون للديمقراطية ولنتائجها كما حدث في ليبيا بعد خسارتهم لها وهذا ليس بمستغرب، فتنظيم الإخوان سعى إلى أخونة ليبيا وتونس، لكنه لم يفلح، وهو مستميتٌ في هذا الأمر لظنه أنَّ ها سيسهّل عليه استعادة حكم مصر، ومن هذا المنطلق يمكنه السيطرة على باقي البلاد العربية من خلال نشر أفكاره التي ظاهرها «دعوي» وحقيقتها التغلغل في المجتمعات وأخونتها، ليسهل حكمها والسيطرة عليها.
سيبقى التنظيم في حالة الشتات والتيه إلى الأبد، ما دامت كانت أفكارهم خارج جغرافيا أوطانهم.