توقيت القاهرة المحلي 10:21:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا وفوبيا الأحزاب

  مصر اليوم -

ليبيا وفوبيا الأحزاب

بقلم - د. جبريل العبيدي

منذ أن تمت شيطنة الأحزاب السياسية في ليبيا عبر أزمنة وأنظمة مختلفة، لم تشهد ليبيا أي نضوج للممارسة الحزبية، على الرغم من قِدم التجربة الأولى لظهور الأحزاب وتكوينها في ليبيا منذ عهد الاستعمار الإيطالي، إذ شهدت البلاد بداية نشوئها، إلا أن المواطن قاطعها لكونها كانت تحت راية المستعمر الاستيطاني، مثل الحزب الفاشي الجمهوري، الذي حاول جعل ليبيا شاطئاً رابعاً لروما، ومن الليبيين رعايا طليان من الدرجة الثانية.

الأحزاب السياسية التي ليس لها تاريخ ممارسة طويل في ليبيا، على الرغم من أن بعضها له تاريخ نشأة طويل تسبق تلك التي في بعض بلدان الجوار الليبي، والسبب قد يعود لانقطاع التجربة الحزبية الليبية لفترات طويلة في أزمنة مختلفة، فبعد قطيعة 42 عاماً زمن القذافي، حيث تم تخوين وتجريم الأحزاب وفقاً لشعار القذافي «من تحزب خان»، إذ سيطرت آيديولوجية الكتاب الأخضر في النظام «الجماهيري» الذي كان يتبنى نظام المؤتمرات الشعبية الموزعة على المدن والقرى سيطرة مطلقة طيلة تلك الفترة التي شهدت منعاً، بل وتجريم الأحزاب بشتى أنواعها، وإن كانت حركة اللجان «الثورية» زمن القذافي بمثابة حزب حاكم وحيد مارست السلطة والقمع أحياناً، تحت شعار «الشرعية الثورية»، وتصادمت حتى مع أنصار الفترة الإصلاحية التي قادها القذافي الابن سيف في الألفية الثانية، عندما رفع شعار ليبيا الغد، والذي سرعان ما أفسدته جماعات الإسلام السياسي، بعد تسللها إليه وتبنيها المشروع وتقديمها المراجعات الفكرية بعد أن أخرجوا من السجون، التي سرعان ما اتضح أنه سراب وتقية مارستها لخروج أعضائها من السجون، ليقبع سيف الإسلام القذافي مكانها في سجونها حيناً من الدهر، قبل أن يخرج ضمن العفو العام.

الأحزاب السياسية كثيراً ما تعتريها شبهة توريد مشروع خارجي معادٍ للدولة والحاكم طبعاً، خصوصاً إذا أخفت مصادر تمويلها أو ارتبطت بمشروع خارجي قبل الوطن، ولهذا لم تكن سلطات ولا أفكار القذافي فقط من منعت الأحزاب، بل حتى الملك الراحل إدريس السنوسي فعل ذلك، وتم حل ما تشكل منها مثل جمعية عمر المختار، رغم دورها النضالي البارز، ففي ليبيا تربى المواطن العادي والبسيط على الخشية من الأحزاب، والسلطة الحاكمة نفسها كانت تخشى منها، لأن الجميع اتفق على أن الأحزاب خطر يهدد الدولة سواء الملكية والقصر والعرش وحتى الجماهيرية والزعيم والخيمة، فتمت شيطنة الأحزاب على فترات طويلة من التاريخ الليبي، خشية المد القومي أو العقدي، ولعل سوء التجربة وفشل جل الأحزاب الناشئة في تقديم أو طرح مشروع نهضوي يمكن أن يؤسس لممارسة ديمقراطية صحيحة لا تتلون بآيديولوجيات عابرة للحدود، كتلك التي مارسها تنظيم جماعة الطاعة للمرشد، ما أسهم بشكل فاعل في شيطنة الأحزاب جميعها دون استثناء، حتى بعض تلك التي أظهرت شعارات مدنية لم تكن في ممارستها قادرة على إقناع الناخب بمشروعها البديل عن دولة المرشد، أو دولة «الخلافة»، الذي كانت تقدمه أدبيات وممارسات أحزاب الإسلام السياسي قديماً وحديثاً، وإن لبست جلابيب مختلفة الألوان، ولكنها حيكت من القماش نفسه.

رغم أن أعرق الديمقراطيات في العالم أثبتت الأحزاب فيها أن الممارسة الآمنة للديمقراطية كانت عبر المنافسة الحزبية في تقديم خدمة أفضل، ومشروع سياسي يمكن التعويل عليه، ليس لنقاوتها من أرباب المال الفاسد، ولكن لقوة القانون والنظام الرقابي في تلك البلدان لتتبع تمويل تلك الأحزاب وعلاقتها بالخارج، ولكن الأمر في بلدان الشرق الأوسط وليبيا ليست استثناء، فكانت على العكس تماماً، لدرجة مجاهرة البعض بأسماء الداعمين والمتغولين والنافذين فيها من خارج حدود الوطن، ولكون تلك الأحزاب في أغلبها كانت لا تحمل جدية في تعاطي العمل السياسي، بقدر ما هي تجمع لبعض أصحاب المال السياسي، وواجهة سياسية لأصحاب المشاريع الاقتصادية والمتحكمين في بورصة المال.
المواطن الليبي اليوم يلتمس طريقه المفخخة بالألغام والاغتيالات والإرهاب والتناطح الحزبي نحو وطن وبناء دولة الجميع، يكون المرء فيها مواطناً حراً له كامل حقوق المواطنة، دون الحاجة إلى ملء استمارة انتماء حزبي لينال حقوقه، ولهذا لا نلقي باللوم على المواطن العادي لإصابته بفوبيا الأحزاب، لأننا نخشى أن ممارسة ديمقراطية حقيقية وآمنة لن تتحقق، عندئذ لا يستطيع أحد أن يقنع هذا المواطن بجدوى هذه الأحزاب.


نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا وفوبيا الأحزاب ليبيا وفوبيا الأحزاب



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 22:57 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

رانيا يوسف تشارك عصام عمر مسلسل نص الشعب اسمه محمد رمضان 2025
  مصر اليوم - رانيا يوسف تشارك عصام عمر مسلسل نص الشعب اسمه محمد رمضان 2025

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon