بقلم: د. جبريل العبيدي
«جئتكم حاجاً» قالها البابا فرنسيس في رسالته التي شعارها «نحن جميعا إخوة»، والصلاة في مدينة أور العراقية، مدينة أبي الأنبياء إبراهيم، حيث سيصلي البابا، ومسقط رأس النبي إبراهيم عليه السلام، ولهذا هي رسالة يحاول البابا فرنسيس إيصالها للعالم ولأتباع الديانات السماوية الثلاث الموحدين، الذين يجمعهم النبي إبراهيم عليه السلام.
البابا فرنسيس الذي قال: «آتيكم حاجاً تائباً لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة، بعد سنين الحرب والإرهاب»؛ ومدينة أور العراقية أرض النبي إبراهيم، التي رفض أن يعبد أهلها الأصنام من دون الله وخرج منها مبشراً، هي المدينة التي لم تصلها الكهرباء والخدمات الأساسية منذ ستة آلاف عام حتى زيارة البابا فرنسيس، مما يؤكد حجم المعاناة التي يكابدها سكان العراق من فشل الحكومات المتعاقبة على مفاتيح خزائن البترول العراقي، في تقديم الخدمات الأساسية للسكان إلا حين تفاجأ بزيارة بهذا الحجم الكبير، فترصف وتعبّد الطرق، وتصل أسلاك الكهرباء، وتطلى الجدران، وتنظف الشوارع، وتضاء في أيام ثلاثة، وهي الغائبة لسنين طوال عن أجندة الحكومات المتعاقبة على حكم العراق.
زيارة البابا جاءت في التوقيت الحرج والمحرج، فرغم تقدم البابا في السن وتفشي جائحة «كورونا»، والمخاطر الأمنية، والصواريخ، والقذائف العشوائية التي تمطر المطارات والقواعد والأماكن الحساسة في العراق، إلا أنه أصرَّ على تنفيذ الزيارة المؤجلة لعشرين عاماً منذ سلفه البابا يوحنا بولس الثاني.
زيارة البابا، وإن كان من أسبابها الرئيسية تسليط الضوء على معاناة الأقلية المسيحية، إلا أنها ستنعكس أيضاً على معاناة العراقيين عامة، وستسلط الضوء على العراق البلد المنكوب منذ الاجتياح الأميركي عام 2003، وإطلاق يد إيران وميليشياتها في حاضرة الرشيد، ومهد الخلافة العباسية وحضارة الرافدين.
البابا سيلتقي المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في محاولة لإرساء حالة توازن في لقاءاته مع طوائف المسلمين، فهو سبق أن التقى الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر (المرجعية السنية) في القاهرة وفي دولة الإمارات العربية، حيث وقع «اتفاقية التآخي».
ومن أهداف الزيارة هي محاولة طمأنة للمسيحيين في العراق، الذين تتنوع طوائفهم بين الكلدان الكاثوليك، الطائفة الأكبر في العراق، يليهم الأشوريون، ثم الأرمن، الذين فرت أعداد كبيرة منهم خارج العراق طلباً للهجرة ولقمة العيش، حتى قبل سيطرة «داعش» على مناطق واسعة من العراق، وإن كان الاضطهاد «الداعشي» لم يكن حكراً على المسيحيين، بل إن من قتلهم هذا التنظيم الإرهابي من المسلمين تحت ذريعة المرتدين، يفوقون أعداد من قتلتهم «داعش» من المسيحيين.
لا شك أنَّ الزيارة يحسب لها الشجاعة في التوقيت والمكان، وتعكس الروح الإيجابية التي يتمتع بها البابا الحالي فرنسيس، وروح التآخي والتعايش ونبذ التصادم بين الديانات والحضارات.
زيارة البابا فرنسيس للعراق مهد الحضارة العربية والإسلامية وحاضرة الخلافة هي رسالة مصالحة وتآخٍ مع المسلمين وطمأنة وتضامن مع المسيحيين.