بقلم - عباس الطرايلي
عظيم جداً معركة التعليم التى يقودها الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم.. وهى معركة ليست مقصورة على الثانوية العامة.. ولكنها تغوص إلى ما بعد جذورها.. وأكاد أتهم كل من يحاول إجهاضها بالخيانة العظمى.
وأعتقد أن الكارثة تبدأ من أرقام الأمية فى مصر.. وهنا عندما نتذكر الأمية علينا تذكر أن وجود 18 مليون أمى مصرى هو قلب القضية التعليمية كلها.. وعلينا أن نغوص إلى أسباب التسرب من التعليم الابتدائى.. أى لماذا يهرب الطفل من المدرسة، حتى وإن كان بعضها راجعاً إلى رغبة الأب فى أن يعمل ابنه معه ليأتى بحصيلة مالية تساعده فى توفير احتياجات الأسرة كلها.. وطرف القضية الآخر هو أننا يجب أن نعترف بأنه حتى من أكمل الدراسة الابتدائية فإنه فى مقدمة الأميين.. لأنه لا يكاد يعرف القراءة أو الكتابة.
ويبدو أن الأمية أصبحت وباءً كامناً تحت ضلوع الإنسان المصرى، بدليل أننا عجزنا عن القضاء على هذه الأمية، وأتذكر أننى ومنذ وعيت القراءة والكتابة فى أوائل الأربعينيات كان كل رئيس وزراء يضع فى خطاب العرش الذى يلقيه أمام البرلمان عبارة غريبة عن مكافحة الفقر والجهل والمرض، حتى أصبحت هذه العبارة عبارة عن أكليشيه يضعه كل حاكم فى خطبه والتى يسعى إلى مواجهتها، ولكن للأسف لم نستطع علاج الفقر، كما يجب.. ولم نستطع محو الأمية ومازال المصرى يعانى من المرض.. فهل أصبحت الأمية من سمات المصريين أى مرض متوطن لا يفارقنا.
وسمعنا كل ذلك سواء فى العصر الملكى.. أو الجمهورى.. فهل نحتاج مشروعاً قومياً لمحو الأمية، ونتعجب أن كل ثوراتنا كانت «سياسية» أى من أجل الاستقلال حتى ثورة 30 يونيه.. كانت سياسية، ولم نسمع عن ثورة حقيقية للقضاء على الأمية.. فهل هذا هو المستحيل؟.
هنا تعالوا نتعلم من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لما تمكن من أسر بعض الكفار.. لم يطلب فدية مالية لإطلاق سراحهم.. بل قال لهم إن أى واحد متعلم منهم إذا استطاع محو أمية 10 من المسلمين أى علمهم القراءة والكتابة، فإنه سيقوم بإطلاق سراحه فوراً.. فقد أراد رسولنا الكريم أن يستفيد من المتعلمين من قريش ليقوموا بإزالة أمية المسلمين.
■ ■ هنا: لماذا لا نشترط من أى جامعى يبحث أو يطلب الوظيفة أن يقوم بمحو أمية 20 شاباً أو صبياً.. خلال 6 أشهر على الأكثر فإذا نجح فى ذلك.. حصل على الوظيفة.. سواء كانت حكومية أو قطاع خاص.
أيضاً: أليس حراماً أن تغلق المدارس أبوابها من بداية الإجازة السنوية إلى بدء الدراسة فى العام الجديد.. ولماذا لا تنظم فيها دورات لمحو الأمية بعضها صباحى.. وبعضها مسائى بالذات لمن يعمل منهم.. وإذا لم تكن المدة كافية للمحو.. نواصل المهمة فى المساء.. أى من الخامسة مساء إلى التاسعة مساء.. ويومياً إلى أن يتمكن كل رائد من تعليم العدد المطلوب منه.
نقول ذلك دون النظر لما يسمى هيئة محو الأمية وتعليم الكبار.. التى نهدر من خلالها إمكانيات مالية وبشرية هائلة دون عائد يذكر.
مطلوب ثورة تعليمية تبدأ بمحو الأمية.. ثورة حقيقية وليس مظهرية، فهل هذا صعب؟!.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع