بقلم - عباس الطرايلي
من منا لايزال يستمتع بالثروات التي تركها لنا «الوفد الشقي» آخر الحرافيش الكبار محمود السعدني.. وكلما عدت إلي قراءة بعض ما تركه السعدني الكبير.. استعدت عظمة عصر كان فيه نجماً صحفياً لامعاً، قبل ثورة يوليو1952 ولمن لا يعلم فإن السعدني الكبير عمل في كثير من الصحف الوفديةــ قبل الثورة- ومنها ما كان يصدره القطب الوفدي الراحل يس بك سراج الدين.. أو الوفدي الكبير عدلي المولد.. ولذلك استمرار عمل ابن الولد الشقي في جريدة الوفد الآن الزميل أكرم السعدني هو استمرار لرحلة الكبير: السعدني الكبير.
وعائلة السعدني- عمدة الجيزة الذي طاف العالم وعاش فيه كثيراًـ قدمت لنا نحن كل المصريين نجماً رائعاً آخر، وسعدينا لا يشق له غبار.. هو الفنان غير التقليدى: صلاح السعدني.. الذي كان نجماً وهو يعد في بداياته الأولي، سواء في الإذاعة أو المسرح، أما أعظم أعماله فكانت هذه المسلسلات التي حفرت نفسها في الوجدان المصري.. حتي وإن لم يترك كثيراً من نشاطه الفني، في السينما ـ ولكنني مازلت أتذكر احدي بداياته السينمائية في رائعة أحمد رجب «فوزية البرجوازية» الذي كان يهدف أحمد رجب بها السخرية من تقعر بعض الشباب الذين جذبتهم الشعارات السياسية في الستينيات.. وبالذات قبل أن نستيقظ علي هزيمة يونية.
وربما كانت بداياته التمثيلية في الفيلم القصير «أغنية علي الممر» الذي كتبه صديقي وزميلي الأديب الدمياطي في مدرسة دمياط الثانوية الراحل علي سالم.
ولكنني أقصد هنا رائعة أسامة أنور عكاشة «ليالي الحلمية» بأجزائها الخمسة.. التي تنافس فيها قطبا المسلسلات وثنائيها العظيم: يحيي الفخراني في دور الباشا سليم البدري.. وصلاح السعدني في دور الباشا الفلاح سليمان باشا غانم والتي حاول البعض نسبتها الي الباشا محمود سليمان غنام باشا الذي كان وزيراً للتجارة والصناعة في آخر حكومتين وفديتين تحت رئاسة النحاس باشا الأولي في مايو 1942 والثانية في يناير 1950. وبسبب دوره هذا منحته الجماهير ـ عن حب ـ لقب العمدة سليمان باشا.. فنافس بذلك شقيقه الأكبر ـ الولد الشقي ـ في لقب العمدة.. واذا ذكر العمدة ـ في الفن ـ فلا عمدة إلا صلاح السعدني.
<< ودوره شديد الروعة، دور حسن أرابيسك، في هذا المسلسل الرائع أيضاً الذي كتبه أبرع من قدم لنا المسلسلات، أسامة أنور عكاشة.. وكأن أسامة عندما كتب ليالي الحلمية.. وكذلك أرابيسك.. كانت أمامه، علي الورق ـ صورة صلاح السعدني.. الذي حاول في هذا الدور أن يعيد للحارة المصرية أخلاقياتها وسلوكياتها الرائعة.. بل ان أرابيسك ـ المسلسل ـ كان يحاول أن يدق ناقوس الخطر بأن أي عمليات ترميم ـ حتي ولو كانت في ثوب التجميل ـ لا فائدة منها.. بل لابد من نسف التالف، من أساسه.
<< وعندما حاول صلاح السعدني أن يساهم في الحوار السياسي الدائر ـ أواخر أيام الرئيس مبارك ـ شارك في تقديم برنامج حواري له كان يناقش أهم قضايا العصر..
وأتساءل ـ ومعي كل عشاق السعدني ـ أين هذا الفنان الرائع.. وهل هو فعلاً في فترة صفاء ذهني.. أم ضربته الأمراض فأبعدته عما يعشقه.. وعما نحن أيضاً نهواه؟
وأقسم بالله- وسط رحيل فنانينا الكبار ـ اننا نفتقد صلاح السعدني ونتمني أن يعود الينا.. ليمتعنا ـ كما كان ـ ولكي يقول كلمته فهو من القلائل الذين كانت لهم أفكارهم ومعتقداتهم..
والله وحشتنا.. ومازلنا ننتظرك ياعم صلاح.
نقلا عن الوفد القاهرية