بقلم - عباس الطرايلي
يكاد يجمع الخبراء والعلماء على أن كثافة الطلبة فى الفصول هى بيت الداء فى منظومة التعليم.. إذ كيف يفهم الطلبة دروسهم؟.. بل كيف يوصل الأستاذ معلوماته إلى الطلبة ويكاد صوته لا يصل إلى كل الطلبة؟.. ويقول البعض إن كثافة الطلبة فى بعض مدارس الجيزة يصل إلى ١٢٠ تلميذاً.. وأن متوسط عددهم- فى كثير من المدارس- يدور حول ٨٠ تلميذاً فى الفصل الواحد.. ويجمع هؤلاء على أن هذه الكثافة العالية هى المسؤولة عن انهيار التعليم عندنا، فلا الطالب قادر على استيعاب ما يقوله المدرس.. ولا الأستاذ قادر على توصيل معلوماته إلى الطلبة.
هذا الكلام يجرنا إلى ما تخصصه الدولة من أموال أو من ميزانيات للتعليم.. ويذكرنى أحد خبراء التعليم بأن حكومة الوفد الأخيرة «يناير ١٩٥٠ - يناير ١٩٥٢» كانت تخصص النسبة الأكبر من ميزانيتها للتعليم واحتياجاته.. وهنا أقول إن عدد الطلبة فى مدارسنا أيام هذه الحكومة كان يدور حول ٣٨ طالباً فقط فى الفصل الواحد.. ولذلك كان الأستاذ يعرف كل طالب باسمه.. ويكاد يعرف ظروفه.
إذن القضية- فى الأساس- هى قضية نقص عدد المدارس، وبالتالى الفصول، ولذلك علينا أن ننشئ الآلاف من الفصول بهدف الحد من مشكلة هذه الكثافة، وهنا نقول إن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى مئات الملايين من الجنيهات لبناء المزيد من الفصول.. وهذا هو نفس ما اتبعته الدول التى سعت إلى تحقيق معجزة نهضتها.. واقرأوا كتاب لى كوان يو، رجل سنغافورة المعجزة، عن دوره وفكره.. وأتذكر هنا ما قاله لى فؤاد سراج الدين- آخر باشوات مصر العظماء- عن أسلوب الدكتور طه حسين- وزير المعارف فى آخر حكومة وفدية- من أنه كان يدخل اجتماعات مجلس الوزراء حاملاً مشروعه النهضوى فى دوسيه.. ويحمل استقالته من الوزارة فى دوسيه آخر.. وكان يخيِّر الحكومة إما أن تنفذ مشروعه وإما عليها أن تقبل استقالته.. ومن هنا نجح فى تطبيق سياسة مقولته الشهيرة إن التعليم كالماء والهواء.
ويؤكد الخبراء أن كل ما يقال عن أفكار للنهوض بالتعليم لن تنجح إلا إذا بدأت بتخفيف كثافة الطلبة فى الفصول.. وربما يكون الحل هو باستخدام أسلوب مبانى الفصول بنظام «الحوائط سابقة التجهيز»، وهو نظام يسمح ببناء عشرات الفصول فى كل مدرسة فى وقت لا يتجاوز ثلاثة شهور.. وهذا هو المطلوب، ومصنع واحد فى الدلتا، وآخر فى الصعيد يكفيان لتنفيذ هذا المشروع.
■ وأعتقد أن وزير التربية والتعليم يعرف هذه الحقيقة.. ولكن هل تساعده الدولة بزيادة ميزانية التعليم وتخصص هذه الزيادة فى السنوات الأولى لبناء الفصول المطلوبة؟!، وهى البديل عن كارثة العصر المسماة «السناتر».. التى هى مركز الدروس الخصوصية.
خفضوا الكثافة.. تحصلوا على تعليم أكثر جودة.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع