بقلم: إيلي ليك
في أعقاب المذبحة التي راح ضحيتها 50 مصلياً في مسجد بمدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا، بات من الشائع مساواة العنصرية البيضاء بالتطرف الإسلامي. وجاء تعليق بهذا المعنى من السيناتور الأميركية إليزابيث وارين، إذ قالت: «بالطريقة نفسها التي يشكل بها إرهاب (داعش) و(القاعدة) خطراً على الولايات المتحدة، يشكل صعود العنصرية البيضاء».
ويمكن تفهم وجهة النظر هذه إلى حد ما، إذ يعتبر العنف اليميني المتطرف من التهديدات الكبيرة على الصعيد المحلي في البلاد. ووفقاً لقاعدة بيانات مؤسسة مكافحة التشهير الأميركية، فإن العنصرية البيضاء ترقى إلى نسبة 73 في المائة من جرائم القتل ذات الصبغة الإرهابية في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر الماضية.
وصحيح أيضاً، كما تشير السيدة وارين، أن الرئيس دونالد ترمب قد أخفق في إدانة العنصرية البيضاء بالقدر المتوقع منه، لا سيما بعد أعمال العنف الدموية التي شهدتها مسيرة العنصريين البيض الحاشدة في شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا في عام 2017. وفي السنوات الأخيرة، خفضت وزارة الأمن الداخلي من تمويل بعض البرامج التي تركز على مكافحة جرائم العنصرية البيضاء.
ومع ذلك، فمن غير الواقعي أن نتوقع من الحكومة الأميركية أن تتعامل مع إرهاب العنصريين البيض بالطريقة نفسها التي تعالج بها التطرف الإسلامي على مختلف توجهاته، ومن الصعب تصور إسناد توجيه الغارات بالطائرات المسيرة على تجمعات الميليشيات العنصرية البيضاء، أو غيرها من مراكز أنصار اليمين المتطرف الأخرى داخل الولايات المتحدة، على سبيل المثال. ولن يكون من قبيل الحكمة إطلاق مبادرة دبلوماسية للتفاعل مع العنصريين البيض ذوي التوجهات المعتدلة بالأسلوب نفسه الذي تنتهجه الولايات المتحدة في الماضي، حال تواصلها مع الفصائل غير العنيفة من جماعة الإخوان المسلمين.
لذلك، يستحق الأمر التحقق من السمات المتشابهة والمتناقضة فيما بين التهديدين. ولنبدأ بالأساليب التي تعتمدها كل آيديولوجية منهما. في مدينة كرايستشيرش، سجل القاتل مذبحته المروعة عبر البث الحي المباشر في صفحته على «فيسبوك». وقبل ذلك بثلاث سنوات، سجل أحد الإرهابيين تبعات اغتياله لأحد ضباط الشرطة وشريكه خارج العاصمة الفرنسية باريس. وفي شارلوتسفيل، قتل عنصري أبيض أحد المتظاهرين بالاندفاع بسيارته وسط حشد من المواطنين، وهي الطريقة نفسها التي يستخدمها إرهابيو تنظيم «داعش».
كما تحمل الآيديولوجيات نفسها بعض السمات المشتركة؛ كل من الإسلاميين المتطرفين والعنصريين البيض ينتظرون اندلاع حرب عالمية آتية، ويرغبون من خلالها في درجة من درجات التطهير العرقي أو الديني، وكلا الفريقين يحفل أيما احتفال بقتل الأبرياء وتعذيبهم.
وكما يقول غرايم وود، صاحب أفضل المؤلفات حول آيديولوجية «داعش»، فإن «(داعش) والعنصريين البيض كلاهما من القتلة ضمن الحركات العابرة للحدود الوطنية التي تستفيد تماماً من التكنولوجيات الحديثة ووسائل الإعلام المتطورة. ولما وراء هذه التشابهات فيما بينهم، فإن المقارنة تكون غير ذات مغزى».
وإنه محق في رأيه هذا. فمن ناحية، ليس هناك للعنصريين البيض من أراضٍ يسيطرون عليها أو ينطلقون دائماً منها، على غرار تنظيم «داعش» الإرهابي في الآونة الأخيرة. وليس هناك دليل دامغ يؤيد فكرة الدعم الدولي لجماعات العنصريين البيض على نحو ما توفره باكستان أو سوريا للتنظيمات الإرهابية العالمية، مثل «القاعدة» أو «داعش»، أو غيرهما من الجماعات الإرهابية الأخرى. وفي حين أن العنصريين البيض يتجمعون في الزوايا المظلمة من الإنترنت، فإنهم يفتقرون لوجود برامج التطرف النشطة التي تستهدف الشباب، مثل التي صاغها منظر تنظيم «القاعدة» الراحل أنور العولقي.
وكان تنظيمي «القاعدة» و«داعش» قد نجحا في نشر ذلك النوع من جرائم القتل الفردية التي قلدها مهاجم العنصرية البيضاء مؤخراً في مذبحة كرايستشيرش وبيتسبيرغ، لكن الجماعات قد خططت أيضاً لشن هجمات إرهابية أخرى، مثل مذبحة مسرح باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2015، ناهيكم عن ذكر هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لعام 2001. وحتى الآن، يتصف إرهاب العنصريين البيض بعدم التنظيم والتشوش وفقدان الهدف.
لذا، ما الذي ينبغي فعله؟ مايكل جيرمان هو زميل بارز لدى مركز «برينان» للعدالة، وقد كان عميلاً سرياً يعمل لصالح المباحث الفيدرالية الأميركية ممن تمكنوا من اختراق جماعات العنصريين البيض خلال عقد التسعينات. أولاً، وكما يقول، ينبغي أن تطور سلطات إنفاذ القانون المحلية من أدائها، وينبغي أن تكون الأولوية لمنع وقوع أعمال العنف، مثل التي اندلعت في مسيرة بورتلاند بولاية أوريغون العام الماضي، والتي نظمها العنصريون البيض. وقد ارتكب كثير منهم الجرائم، وكان ينبغي أن يكونوا معروفين لدى جهات إنفاذ القانون في الولاية. وعلى الصعيد الوطني، كما يتابع السيد جيرمان، ينبغي على المباحث الفيدرالية الإفصاح عن إحصاءاتها بشأن أعمال العنف من العنصريين البيض، وفصل الأرقام المعنية عن الإحصاءات الأكثر عمومية، المتعلقة بحوادث الإرهاب الداخلية، التي تشمل كل شيء من الجماعات البيئية الراديكالية حتى التنظيمات المؤيدة لحقوق المواطنين الأفارقة. ويقول السيد جيرمان إنه من قبيل الخطأ لدى سلطات إنفاذ القانون التركيز المحض على الآيديولوجية، فليس كل من لديه بعض الأفكار المتدنية عن التفرقة العنصرية هو شخص عنيف بالضرورة، أو يميل لانتهاج العنف في تصرفاته. وينتقد السيد جيرمان بعض التدابير التي تطبقها وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة، ويحذر من اضطهاد أعضاء إحدى الجماعات من أجل معتقداتهم، وليس أفعالهم.
وهذا السبب هو الأكثر أهمية في أن آفة العنصرية البيضاء ليست كمثل وباء التطرف الإسلامي: عبر أغلب مراحل التاريخ الأميركي، كانت العنصرية البيضاء هي المعتقد الرسمي للدولة. واستغرق الأمر احتجاجات مدنية تاريخية، وقرارات صادرة من المحكمة العليا، وإجراءات من جانب الكونغرس، حتى تفقد هذه الآيديولوجية زخمها وفحواها لدى النخبة الحاكمة. وسوف يستغرق الأمر أكثر بكثير من مجرد قراصنة الإنترنت والجماعات الإرهابية لاستعادة التمييز العنصري وعهد جيم كرو القاتم إلى الوجود، بيد أن الحذر أيضاً مطلوب. وتملك المباحث الفيدرالية الخبرة الواسعة في اختراق وتعطيل أعمال النازيين الجدد، وغيرهم من أعضاء جماعات تفوق الجنس الأبيض الأخرى من مختلف التوجهات.