توقيت القاهرة المحلي 22:56:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بصمات شاب من الشرق الأوسط

  مصر اليوم -

بصمات شاب من الشرق الأوسط

بقلم - غسان شربل

ذاتَ يومٍ دعاني رجلٌ شهيرٌ إلى فنجان قهوة. وكانتِ الدعوةُ مغريةً فقد تيسّر للرجل الاقتراب من أبرز اللاعبين في العالم ولا تعوزه القدرة على القراءة في الأشخاص والمواقف والمراحل. قال إنَّ معيارَ نجاح الحاكم هو أن يتركَ بصمتَه على أوضاع بلاده. وهذا يتاحُ لمن يظهرون عند المنعطفات ويمتلكون جرأةَ اتخاذ قراراتٍ تغيّر مصائرَ بلدانهم وشعوبِهم. وليس بالضرورة أن تكونَ البصماتُ إيجابيةً، لكنَّ التاريخَ لا يرحم من يحاولون حجزَ موقعٍ فيه بالقوة والدمارِ والانهيار.

يحاكمُ التاريخُ صنَّاعَ النكبات ويحتفظ بصورةٍ مشرقة لمن يحاربون التخلفَ والفقرَ والانغلاق. أعطَى مثلاً لي كوان يو الذي تركَ بصماتِه على أيام شعبِ سنغافورة البلدِ الذي يفتقر إلى الثروات الطبيعية. قال أيضاً إنَّ بعض البصماتِ تبقى مثار انقسام بين أنصار متحمسين وخصوم ثابتين. أعطى مثلاً عن الإمام الخميني قائلاً إنَّه لا يمكن إنكارُ بصماتِه على الشعب الإيراني وحفنة خرائط في المنطقة. قال أيضاً إنَّ جمال عبد الناصر تركَ أيضاً بصماتِه على مصير الشعب المصري وحفنة خرائط لفحتها أفكاره ومواقفه.

لاحظ أنَّ البصمات تخضع لاحقاً لامتحان صارم. هل ساهمت سياسات القائد أو الزعيم في تحسين حياة الناس وإعدادهم لمواجهة استحقاقات المستقبل؟ هل انتقلت جاذبية القائدِ من العناوين البراقة والخطب المثيرة إلى مشاريع توفر الخبز وفرص العمل والكرامة؟ لاحظ أنَّ البصمات المعاكسة لمنطق التقدم سرعان ما تصطدم بنهر التاريخ وبحاجات الناس وتوقهم إلى الخبز وفرص العمل والكرامة والتقدم والاستقرار والازدهار.

استوقفتني فكرة البصمات. اعتبرت كصحافي أنَّ فلاديمير بوتين ترك بصماتِه على مصير روسيا والعالم حين أنقذ الاتحادَ الروسي من رياح التفكك التي كان يمكن أن تغرقه في نزاعات عرقية وإثنية ودينية محملة بإشعاعات قاتلة. وترك بصماته أيضاً حين لملمَ أشلاءَ روسيا المهزومة وأعاد لها موقعاً محترماً على طاولة الكبار. للأسف ها هو اليوم يترك بصماتِه عبر الحرب في أوكرانيا التي قد تطيح إيجابيةَ ما قدَّمه سابقاً لروسيا التي خرجت جريحة ومستضعفة من العهد السوفياتي. ورأيت أنَّ شي جينبينغ ترك بصماتِه على مصير الصين والعالم. إنَه زعيمٌ قوي لبلاد أخرجت 700 ملايين صيني من سجن الفقر الشديد. زعيم بلاد يتجاوز ثقلها مشروع «الحزام والطريق» وهو مشروع هائل.

تغيير مصائر البلدان مهمة شاقة. وأحياناً يطول الانتظار. يحتاج التغيير إلى فكرة مقنعة وجاذبة ومحرضة. وإلى رجل قادر يحمل رؤية ويملك موهبةَ إشراك الناس في حلمه. انخراط الناس في الحلم خصوصاً من جانب الدماء الشابة الحارة والإرادات المتوثبة يصنع التغيير. وحسن إدارة الورشة الكبرى يوفر الأرقام التي تؤكد صحة الأحلام وتضاعفها. وتحدث الانعطافة حين يطل رجل كأنَّه انتدب لمهمة انتظرتها بلاده طويلاً. رجل يوقظ المخيلات واثقاً بقدرة بلاده على أن تكون أقوى وأفضلَ وأكثرَ مناعة على طريق المستقبل. وتكتمل الانعطافة إذا طرقت أحلام الرجل وأرقامه على الأبواب وأقنعت المقيمين وراءها بما يجعل حلم التحول والتغيير والتقدم قراراً لا عودة عنه. وهكذا يتحول رجل النهضة منعطفاً في حياة بلاده وقد يتجاوزها.

كانت العقود الماضية في الشرق الأوسط مؤلمة ورهيبة. اكتظت المدن بالشباب الحائر العاطل عن العمل. تراجع التعليم المتراجع أصلاً. كانت الخدمات الصحية قليلة وكئيبة. غرقت المنطقة في سلسلة من الحروب بين الخرائط أو داخلها. أنجبت نهراً من الأرامل والأيتام وبحراً من اللاجئين. وقع جزء من الشباب في إغراء الأفكار المعتمة التي تزعم أن المفاتيح موجودة في كهوف التاريخ. ضلَّت الثورات طريقها وضاعت الثروات. تداوت دول كثيرة بالعقاقير المسمومة وهي الحكومات الفاشلة والفاسدة فتضاعفت أمراضها. وقع كثيرون في إغراء الاصطدام بالعالم بعدما أدموا بلدانهم أصلاً. وتزايدت مشاعر الإحباط وتردد أنَّ قدر أهل الشرق الأوسط أن يقيموا خارج موكب التقدم وخارج العصر بثوراته العلمية والتكنولوجية. لا يستطيعون نسخ تجارب الآخرين ولا يستطيعون صناعة مصيرهم.

في العقود الماضية نجحت السعودية في الحفاظ على استقرارها على رغم رياح المشروع الإيراني وموجة التشدد في الداخل والمكمن الذي نصبه أسامة بن لادن للعلاقات السعودية - الأميركية. نجحت الأفكار المتشددة في شلّ جزء غير يسير من قدرات الشعب والبلاد. شلَّت نصف المجتمع وعطلت طاقات الشابات والشبان واحتجزت الأحلام والأفكار منذرة بإقفال أبواب الأمل. وطرحت أسئلة كثيرة عن علاقة السعودية بنفسها وبالعالم وبالعصر. أسئلة أيضاً عن موقعها في الإقليم والعالم. عن مستقبلها ومستقبل الأجيال الجديدة. كانت السعودية محتاجةً إلى خيار وقرار ورجل يطلق شرارة معركة المستقبل.

في هذه الأجواء وقبل حفنة سنوات وضع الملك سلمان ثقته في نجله محمد كمن يحدس أنَّ لبلاده موعداً كبيراً معه. وأطلَّ الشاب متسلحاً بالأحلام والأرقام. وللوهلة الأولى رأى كثيرون أن «رؤية 2030» حلم بعيد المنال في منطقة لم تعتد على القفزات الواسعة في اتجاه المستقبل. رفع ولي العهد السعودي مشعل النهضة والتحولات. كان الرجل يسابق الوقت لتعويض ما ضاع في العقود السابقة. أسلوب مختلف في مخاطبة الداخل والخارج معاً أدى إلى ولادة السعودية الجديدة بدعم كاسح من أبنائها وشبابها.

ذكّرني حديث الأمير محمد بن سلمان الاستثنائي إلى «فوكس نيوز» بأنَّ الإطلالة السعودية الحالية على المنطقة والعالم جاءت ثمرة سنوات شهدت ورشة لا تنام من المشاريع والمؤتمرات والرحلات تيسر لنا أن نواكبها من قرب كصحافيين. سعودية جديدة في الداخل وفي الإقليم والعالم. اقتصاد قوي لم يعد أسير المداخيل النفطية وحدها. وسياسة لتصفير المشاكل سعياً إلى الاستقرار والازدهار. وترسانة من العلاقات الدولية تشمل واشنطن وموسكو وبكين ونيودلهي وغيرها. دور متصاعد في مجموعة العشرين ومواقف تتسم بالمسؤولية والنوافذ المفتوحة في التعامل مع الأزمات الدولية وأسعار الطاقة والتعامل مع ملف البيئة. سياسة مبادرة، وشراكات استراتيجية، وممر اقتصادي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وبوادر تعميق للعلاقات السعودية - الأميركية بعد ما اعتراها من غيوم، وملامح صفحة جديدة في الشرق الأوسط إذا سلَّمت إسرائيل بأنَّ إنصافَ الشعب الفلسطيني معبرٌ إلزامي للاستقرار في الإقليم.

في حفنة سنوات تحوَّلت السعودية لاعباً كبيراً في ملفات كبرى تعني العالم باقتصاده واستقراره. ترك محمد بن سلمان بصماتِه على ملفات الداخل. وها هو العالم يتحدَّث عن بصمات لاعبٍ جديد. بصماتِ شاب من الشرق الأوسط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بصمات شاب من الشرق الأوسط بصمات شاب من الشرق الأوسط



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon