توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حديث استقرار على ضفاف النيل

  مصر اليوم -

حديث استقرار على ضفاف النيل

بقلم:غسان شربل

أتحاشَى زيارةَ مقرِ جامعةِ الدول العربية على رغم خيطِ الودِّ الذي ربطنِي بمن تناوبُوا على قيادتِها في القرن الحالي. الصّحافي زائرٌ ثقيلٌ بطبيعة مهنته. وارتبطتِ الجامعةُ في ذهنِي بصورةِ قاربٍ يبحرُ في بحرٍ عاصفٍ من الأزمات والتحديات والحساسيَّاتِ ومن دون تسليحِه بما يكفي لجبهِها. فالجامعةُ العربية، كمَا مجلس الأمن الدولي، تستعير قوتَها مما تضخُّه الدولُ العربيةُ البارزةُ في عروقها. وفاقُ كبار اللاعبين يرفدُها بالقوَّة والدور، وغيابُه يقصر دورَها على توزيعِ التَّمنياتِ والضماداتِ والتذكير بالمبادئ.

هذه هي الأفكارُ التي راودتني في الطريق إلى مكتبِ الأمين العام أحمد أبو الغيط. كانتِ الزيارةُ للمجاملةِ، فأنا أشعرُ بأنَّ شاغلَ هذا المنصبِ يتعذَّبُ كثيراً كلَّما حدَّقَ في مكتبِه بخريطة العالمِ العربي. وكانَ أبو الغيط كعادتِه لطيفاً ورحباً وراقياً علاوة على كونِه قارئاً نهماً.

لن أنقلَ عن الأمينِ العام كلاماً محدداً لأنَّ اللقاءَ لم يكن مخصصاً للنشر. استوقفني في كلامِه قلقُه من الوضعِ الدوليِّ الحالي الذي يحسنُ بالعربِ الالتفاتُ إليه. إنَّه وضعٌ دوليٌّ شديدُ الخطورة، لأنَّ الخطأ المكلفَ يبقى وارداً سواء على الساحة الأوكرانيةِ أو في محيط تايوان. وكلُّ هذا ينعكس في الشرقِ الأوسط حيث تواصلُ الحرائقُ اشتعالَها، وينذر بعضُها بمزيدٍ من الالتهاب.

بدا الأمينُ العام قلقاً من خطرِ استمرار العدوانِ الإسرائيلي الوحشي في غزةَ والسياسةِ الانتحارية التي تتمسَّك بها حكومةُ بنيامين نتنياهو. ولم يخفِ قلقَه من احتمالاتِ التَّفكُّكِ السوداني وترسخِ الانقسامِ الليبي، واستمرارِ لبنانَ أسيراً في الفخ الذي وقعَ فيه، وبطءِ استعادةِ سوريا لمواصفاتِ الدولةِ المكتملة الأركان. وجدتُّه قلقاً أيضاً من ازدياد الفقر وعددِ العرب المقيمين في خيام اللجوءِ أو النزوح وانعكاسات ذلك على التنميةِ وضرورة اللحاقِ بالعصر وثوراتِه التكنولوجية المتلاحقة.

ولا غرابةَ أن يسودَ القلقُ في مقرّ الجامعة. كانَ على الأمناء العامّينَ في القرن الحالي أن يتعايشوا مع تراجعِ دور العربِ في الإقليم. التدخلاتُ الدوليةُ الفظة تمَّت على أرضهم. والمبارزاتُ الإقليميةُ لا تدور إلا على ملاعبِهم وبدمِ أبنائهم. والدولُ التي صدعها «الربيع العربي» تجدُ صعوبةً بالغةً في استعادةِ ما كان، وبعضُها دخلت تغييراتٌ على هويتِه وقاموسه.

في الفندقِ المقيم على شفير النيل قالَ صديقٌ يمنيٌّ إنَّ الانهيار في بلاده لم يكن قدراً محتوماً. وقال إنَّه بحكمِ ملازمته للرئيس الراحل علي عبد الله صالح يعتقد أنَّه كانَ باستطاعةِ الأخير الإفادة من أوراق عدة لولا «نصائح» زائرةٍ صعبةٍ اسمُها هيلاري كلينتون. أضاف أنَّ إدارةَ أوباما كانت اتخذت قراراً بإزاحة حسني مبارك وعلي عبد الله صالح لمصلحة ما توهَّمت أنَّه «إسلام معتدل يمكن تسويقُه». اعترف بأنَّه لا يرى ضوءاً في آخر «النَّفق اليمني الرهيب»، مشيراً إلى أنَّ مصرَ قدَّمت خدمةً هائلة لنفسها وللمنطقة حين «أنقذت نفسَها من النَّفق الإخواني». وقال: «هل لك أن تتخيَّل وضعَ مصرَ والمنطقة لو استمرَّ حكمُ محمد مرسي وتمزَّقت مصرُ وتطاير الشَّررُ في كلّ اتجاه؟».

ذكرني حديثُ الصديقِ اليمني بأنَّني كنتُ في القاهرة في مهمةٍ صحافية بمنتصف يونيو (حزيران) 2013، وقبل أيامٍ من المظاهرات الضخمة التي غيَّرت مصيرَ مصرَ وشيَّدت جداراً أمام «الموجة الإخوانية».

تذكَّرت عباراتٍ سمعتُها في تلك الأيام التي سبقت إزاحةَ مرسي. قال عمرو موسى إنَّ مصرَ على وشكِ الانفجار وإنَّ «الإخوان لم يصنعوا الثورة لكنَّهم انضمُّوا إليها وقطفوا ثمارها»، مشدداً على أنَّ «الدولة الدينية ليست في مصلحة مصر». وسمعت من محمد البرادعي أنَّ «الإخوان سرقوا الثورة وفشلوا بامتياز». وأضاف: «التقيت مرسي في القصر وصارحته وشعرت بغياب الصدقية ويئست منه». وسمعت من حمدين صباحي أنَّه التقى المرشحَ محمد مرسي وسأله: هل ستكون رئيساً مستقلاً في حال فوزك؟ «فعجز عن الإجابة ورد: أريدك معي نائباً للرئيس». أمَّا أحمد شفيق الذي التقيته خارج مصر فقد اتَّهم «الإخوان» بأنَّهم «سرقوا الثورة والرئاسة معاً».

ولأنَّ المهنةَ تقضي بسماع الرأي الآخر قصدت مقر حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لـ«الإخوان». لم ألمس أثراً للقلق لدى سعد الكتاتني الذي دعاني مبتسماً إلى صورة تذكارية معه ومع بعض أركان حزبه وزائريه.

ذهب عصام العريان أبعدَ من الكتاتني في الطمأنينة. لم يتوقَّع فقط أن يكملَ مرسي ولايته؛ بل أن يفوز أيضاً بولاية ثانية. قال لي واثقاً إنَّ 30 يونيو سيشهد مظاهرات سلمية ولكنَّه سيكون «يوماً عادياً». لم يشعر بالغليان الذي كان يمسك بمشاعر الخائفين على الاستقرار ومن محاولة «إدخال عناصر جديدة على هوية مصر».

تذكَّرت أيضاً ما سمعته من محمد حسنين هيكل. قال إنَّه التقى مرسي وخرج بانطباع أنَّ «الإخوان» لا يملكون «رؤيةً واقعية ولا برنامجاً واضحاً ولا يمتلكون أيضاً كوادرَ مؤهلة لإدارة بلد بحجم مصر»، معرباً عن اعتقاده أنَّ المعركة السياسية ستكون صعبة والمهم ألا تؤدي إلى زعزعة ركائز الاستقرار.

يلتقي في القاهرة وافدون من بلدان قامرت بثروة الاستقرار وخسرتها. من حسنِ حظِّ مصرَ أنَّها مستقرة بفضل يونيو 2013 وأنَّها تحاول إطفاءَ الحرائق المشتعلة في محيطها وهي مهمةٌ حيويةٌ وشاقة. فالأمنُ الحقيقي مشروطٌ بالاستقرار والأمر نفسُه بالنسبة إلى الازدهار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث استقرار على ضفاف النيل حديث استقرار على ضفاف النيل



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon