توقيت القاهرة المحلي 00:09:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوم جاء الإمبراطور

  مصر اليوم -

يوم جاء الإمبراطور

بقلم:غسان شربل

هذه الأيام مثيرة فعلاً. ليس لأنَّ الجنرال الروسي ينفذ بقسوةٍ واقتدارٍ مهمةَ دفع الأوكرانيين نحو النزوح والظلام والصقيع. وليس لأنَّ بريطانيا تفتِّش في دفاترها عن منقذ، فلا تعثر على شبيه لتشرشل، ولا شبيهة لثاتشر. وليس لأنَّ سيد الإليزيه يتلوَّى على ألحان الاحتجاجات، وتقلّب الأذواق الفرنسية الصعبة من النبيذ والأجبان، إلى السياستين الداخلية والخارجية. وليس لأنَّ إدارة جو بايدن ترفض تصديقَ أنَّ العالمَ تغير، وأنَّ عليها تغييرَ مقاربتِها في التعامل مع الأعداء كما مع الأصدقاء. الأيام مثيرة بسبب ذلك المؤتمر الذي عُقد في الحيّ الصيني من «القرية الكونية».
حين تُنجب الصينُ إمبراطوراً، لا يبقى أمام حكامِ المقاطعات غير أن يحملوا إلى أطراف عرشه انحناءةَ التقدير وبخور الولاء. وهذا ما فعله قادةُ الجزر الحزبية، حين صفَّقوا طويلاً في قاعة المؤتمر العشرين لمبايعة شي جينبينغ لولاية ثالثة، على رأس الحزب الذي يضمُّ في صفوفه 96 مليون مناضلة ومناضل.
التقط المشاركون في المؤتمر الرسالة. العملية ليست انتخابَ رئيس. إنَّها تكريسٌ لزعامة، وتفويضٌ لرجل قوي أن يقودَ المرحلة المقبلة، ومن دون هواجسَ تتعلَّق بمهل دستورية. لقد أزاحَ شي ما كان يعترض طريقه في النصوص، كما أزاحَ مَن كان يشتبه أنَّهم يخبّئون موقفاً غير ودي في طيات النفوس. ولأنَّ الولاية الجديدة حساسة - من استعادة تايوان إلى إعادة تشكيل النظام الدولي - كان على شي أن يُخرجَ العقاربَ المحتملة من الهيئات القيادية، ليضعَها في عهدة من رافقوه في رحلته، أو عملوا في ظله. والواضح أنَّ مؤتمر الحزب صدَّق على عملية تطهير مفتوحة منذ سنوات تحت عنوان مكافحة الفساد. وفي عملية التطهير هذه، تساقطت رؤوسٌ كثيرةٌ في المؤسسة الحزبية والعسكرية والأمنية. وفي هذا النوع من الأنظمة يعتبر غيابُ الولاءِ الكاملِ نوعاً من الفساد القاتل، ويستحقُّ المحاكمة.
قراءة الحدث الصيني بعيون غربية لا تساعد على الفهم. السيد الأمين العام لا يخشَى على الإطلاق من عناوين صحف اليوم التالي. يعرفها سلفاً إن أراد. ولا يخشى من نشر أخباره على حبال الفضائح في وسائل التواصل الاجتماعي. الصين الحالية لا تتَّسع لهذا النوع من المراهقات التي تُنهك الحكومات الغربية. ثم إنَّ الزعيم الصيني الحالي لا يبحث عن تسوية بين أجنحة، ولا عن شركاء. إنَّه الجنرال الوحيد في الجيش والحزب والدولة، ومن عادة الجنرال أن يقولَ: «الأمر لي».
تُولد هيبةُ الإمبراطور من حكايته قبل أن تُولدَ من صلاحياتِه الشاسعةِ وقراراتِه الصارمة. وحكاية شي نُسجت بعناية. والدُه مناضلٌ شيوعيٌّ عريقٌ دفع أيضاً ثمنَ تلك العواصف التي أطلقها ماو تسي تونغ، وأدَّت إلى نكبات واسعة. شي أيضاً دفع الثمنَ مع والده. اضْطُهد وأقامَ في كهف، وعانى طويلاً، وحاولوا إغلاق أبواب الحزب في وجهه. لكنَّ شي ليس مشروع ميخائيل غورباتشوف بنسخة صينية، كما توهَّمَ بعضُ الغرب بعضَ الوقت. لن يدفع الحزب إلى حتفه، ولن يدفع البلاد إلى ركامها. سيتقدم بحذر وصرامة نحو المواقع الأولى، وستلحظ حكايته قدرات الانتظار والإصرار والمبادرة والحزم، فضلاً عن القسوة حين تقتضيها الظروف.
حين يختار الحزبُ الشيوعيُّ الصينيُّ زعيمَه، لا خيارَ أمام العالم غير التعايش معه. صينُ اليوم ليست صينَ الماضي. إنَّها عملاقٌ اقتصاديٌّ وتكنولوجيٌّ وعسكري. وشي جينبينغ لا يشبه أسلافَه الذين تعاقبوا بعد غياب الربان المؤسس. انتهى المؤتمرُ بالتشديد على دوره المحوري. زعيم طوى مرحلة القيادة الجماعية، وأزال عائق الولايتين الذي كان يرمي إلى منع قيام زعامة مفتوحة بصلاحيات مطلقة. ورسائل المؤتمر كانت صريحة. أدرج الحزب في ميثاقه رفض استقلال تايوان. خيار ملزم لشي وللفترة المقبلة. الرسالة الثانية كانت إخراج الرئيسِ السابق هو جينتاو من القاعة على مرأى من العالم. وهي موجَّهةٌ للخارج والداخل معاً. لقد وُلدت في الصين زعامةٌ استثنائية تقتربُ من زعامة ماو تسي تونغ، وفي فترة حرجة من عمر العالم. لا نستطيع أن ننسَى أنَّ فلاديمير بوتين سيحتاج إلى وقت غير قصير لتضميد جروحه الأوكرانية، هذا إذا عاد منتصراً. وأنَّ ارتباك إدارة جو بايدن لا يحتاج إلى دليل. ليست بارعة في ردع الأعداء، وليست بارعة في ترميم الجسور مع الأصدقاء. كل هذا يحدث وسط خرابٍ دولي غير مسبوق.
خدعَنا العالم. كنا نعتقد أنَّه تعلَّم من الدروس المريرة الوافدة من حروب القرن الماضي. ومن الذعر الذي أثارته أزمة الصواريخ الكوبية. ومن الغزو الأميركي الفظ للعراق في بدايات القرن الحالي. ومن الكوارث الهائلة التي أنجبتها الحروبُ التي خِيضت مباشرة أو بالواسطة. وكنا نعتقد أنَّ زمن القرارات المتهورة قد انقضى. وأنَّ مبادئ الأمم المتحدة توفّر حصانةً تحمي الضعفاء. وأنَّ الحكومات منشغلة بإخراج مواطنيها من الخبز الصعب، أو التعليم الرديء، أو البطالة القاسية. وصل بنا الأمرُ حدَّ التوهّمِ أنَّ اتخاذَ قرار بالحرب صار أصعبَ. ويفتقر بالتأكيد إلى الشعبية حتى في البلدان المغلقة أو شبه المغلقة. وأنَّ الحكومات تأخذ على محمل الجد، مسؤوليةَ مكافحةِ الفقر، والانخراط في ورشة التقدم وثورات التكنولوجيا، والاشتراك بفاعلية في مكافحة الاحترار المناخي.
لم يتراجع العالمُ عن وحشيته. ما نشهدُه يوقظ الأشباحَ القديمة، ويعيدُ القرارَ إلى الجنرالات والترسانات. في القرية الكونية المريضة يُولد الإمبراطورُ الصينيُّ الجديد. بصماتُه واضحةٌ على حاضر بلاده، ولن تتأخَّرَ في الظهور على مستقبل العالم. محظوظ الإمبراطور. القيصر مصابٌ بشظايا كثيرة، وسيّد البيتِ الأبيض مرتبكٌ ومتردّدٌ، والقارةُ القديمة قديمةٌ فعلاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم جاء الإمبراطور يوم جاء الإمبراطور



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:38 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي
  مصر اليوم - إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري
  مصر اليوم - الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 23:07 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

أحمد رزق يتعاقد على مسلسل «سيد الناس» رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد رزق يتعاقد على مسلسل «سيد الناس» رمضان 2025

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 10:03 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة عمل الفاصوليا البيضاء

GMT 04:45 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن المصري يكشف حقيقة اختطاف فتاة في منطقة "المعادي"

GMT 10:07 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الصحة: تسجيل 106 إصابات جديدة بـ كورونا و12 وفاة

GMT 11:56 2020 الخميس ,13 آب / أغسطس

7 أشكال غريبة لرفوف الكتب تعرفي عليها

GMT 17:04 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

مستشار الرئاسة التركية ياسين أقطاي يوجه رسالة إلى مصر

GMT 08:00 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سيات أتيكا 2020 في مصر رسميًا

GMT 03:29 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

داليا مصطفى تتعرَّض لعملية نصب وتُحذِّر الفنانين

GMT 08:30 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

تصميمات "الفيونكة" تزيّن مجوهرات العروس في 2019

GMT 17:44 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

بلاغ ضد هالة صدقي بسبب فيديو "حثالة المجتمع"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon