توقيت القاهرة المحلي 10:20:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من صنع «الطوفان»؟

  مصر اليوم -

من صنع «الطوفان»

بقلم - غسان شربل

 

أهم من «الطوفان» مشاهدُ ما بعد الطوفان. البصمات التي سيتركها على الحاضر والمستقبل في غزةَ والضفة وإسرائيلَ والمنطقة. الردُّ على «الطوفان» بنكبةٍ جديدة سيمدّد الإقامةَ على خط الزلازل. معالجة «الطوفان» بحل الدولتين ستعيد الملفَّ الفلسطيني إلى أهلِه وستعطي الشرقَ الأوسط المريضَ فرصةً لالتقاط أنفاسه.

حين شنَّت «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي هجومَ «طوفان الأقصى» بدا سريعاً أنَّها أطلقت حرباً وليس مجردَ عمليةٍ عسكرية واسعة. هذا ما أكَّدته الأخبار الأولى المتعلقة بمسرح الهجوم ومجرياته وعدد ضحاياه ورهائنه. ظهر جلياً أنَّ الهجوم أوسع وأخطر بكثير من المواجهات التي دارت بين إسرائيل و«حماس» في العقدين الماضيين. وكان متوقعاً أن تردَّ إسرائيل على الحرب بحرب، خصوصاً أن الضربة كشفت غفلة أجهزتها الأمنية وبطء تحرك جيشها للرد.

بعد ساعات من انطلاق الهجوم تذكرت كلاماً سمعته قبل سنوات من رجلٍ كان يتحرَّك على خط بيروت - طهران مروراً بدمشق. كنَّا نتحدَّث عن الحاجة إلى الاستقرار في لبنان والمنطقة حين قال إنَّ المنطقة تتَّجه إلى فصول أقسى. اهتمامي بجمع المعلومات والحكايات دفعني إلى الاستفسار خصوصاً أنَّ الرجلَ كان وثيقَ الصلة بعالم الأمن. قال إنَّ على الصحافي أن يضعَ في حساباته أنَّ المواجهة مع إسرائيل ستعاود الاشتعال، وإنَّ الكيانَ الإسرائيلي سيستيقظ ذات يوم على «ضربة كبرى». سألت عن «الضربة الكبرى»، فقال إنَّها قد تتَّخذ صورة عاصفة من الصواريخ تنطلق على إسرائيل من لبنان وغزة، وكذلك من سوريا والعراق واليمن.

شدَّد على أن الغرضَ هو تقليص ما يسمى الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل ودفع قسم من سكانها إلى التفكير حتى في العودة إلى البلدان التي جاءوا منها. وأضاف أنَّ طوقَ الصواريخ يزداد تماسكاً وأنَّ الخبراء يدرسون سبل تضليل «القبة الحديدية» التي تراهن عليها إسرائيل. حكى أيضاً أنَّ رفاقَ قاسم سليماني وتلامذَته لديهم قناعة راسخة بأنَّ معركة كبرى ستندلع وستضع نهايتها إسرائيل وأميركا والغرب أمام وقائع جديدة، فضلاً عن «تثوير» العالم العربي والإسلامي.

وفي الزيارة نفسها، سمعت من الدكتور رمضان عبد الله شلح، القائد السابق لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، أنَّ سياسات الاستيطان والقفز فوق الموضوع الفلسطيني «ستُعجّل بمواجهات ستكون بالضرورة أشرسَ من السابق لأنَّ أسلحة المقاومين أفضل، والأمر نفسه بالنسبة إلى حلفائهم».

استيقظت في بالي عبارة «الضربة الكبرى» حين بدأ «حزب الله» يشاغل القوات الإسرائيلية عبر جنوب لبنان، وحين انطلقت حفنة صواريخ من الأرض السورية ومعها الصواريخ والمسيّرات الحوثية. استوقفتني أيضاً الهجمات التي شنَّتها مجموعات عراقية على قواعد أميركية في العراق وسوريا.

بعد أكثرَ من أربعين يوماً من هجوم «حماس» لم يتوسَّع النزاع إلى جبهات أخرى، حتى الآن، ولم ينزلق نحو حرب إقليمية على رغم الخسائر الهائلة التي أنزلتها الممارسات الإسرائيلية الوحشية بمدنيي غزة. لا شكَّ أنَّ المهمة الأولى حالياً أمام المجتمع الدولي هي التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار يترافق مع إدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر. وهو مطلب ستحمله إلى العواصم المؤثرة بدءاً من اليوم اللجنة الوزارية المنبثقة من القمة العربية - الإسلامية التي عقدت في الرياض. واضح أنَّ اللجنة ستحاول إقناع الدول الكبرى بأنَّ السماح للنزاع أن يستمر ويتفاقم ينذر بأخطار هائلة على الشعب الفلسطيني، كما ينذر بأضرارٍ جسيمة لدول المنطقة ولمصالح بعض الدول الكبرى فيها. وستشدّد اللجنة على ضرورة إطفاء النار على قاعدة راسخة هي التوجه فعلياً هذه المرة نحو حل الدولتين.

أمام النكبة الجديدة التي تلوح بوادرُها على أرض غزة والتي تحصد المدنيين والمستشفيات والمدارس والبيوت يجد المتابع نفسه أمام أسئلة موجعة. من صنع عملية «الطوفان» التي احتاجت إلى سنوات من التدريب والمعلومات والتقنيات وتضليل الأجهزة الإسرائيلية والطائرات الساهرة في فضاء غزة؟ هل تستطيع «حماس» أن تتَّخذ بمفردها قراراً بإطلاق حرب بهذا الحجم؟ وهل فوجئ حلفاء «حماس» فعلاً بالعملية أم فقط بموعد تنفيذها؟ هل راهنت الحركة على أنَّ العملية ستؤدي تلقائياً إلى إطلاق سيناريو «الضربة الكبرى» وشتاء الصواريخ؟ وهل تخيَّل يحيى السنوار ومحمد الضيف رداً إسرائيلياً أقل وحشية؟ وهل توقعَا اشتعال الضفة أكثر ممَّا اشتعلت واندلاع حرب إقليمية؟ وهل تستطيع «حماس» مثلاً قبول وقف للنار إذا كان مرفقاً بشروط من نوع رفض إسرائيل والغرب عودة الحركة إلى الحكم في غزة؟ وماذا لو كانت أي عملية لإعادة إعمار غزة مشروطة بغياب «حماس» عن المعادلة الجديدة؟ وهل تقبل «حماس» أن تدفعَ وجودَها العسكري في غزة ثمناً لإعادة حل الدولتين إلى لائحة أولويات الدول الكبرى والجهود الدولية؟

ما كانت «حماس» لتتمكن من إطلاق «الطوفان» لو لم تشارك أطراف أخرى في صناعته وطبعاً من دون أن تقصد. من يراجع وقائع المفاوضات التي خاضها ياسر عرفات مع رؤساء الحكومات الإسرائيليين يكتشف مقدار العمى السياسي الذي ميّز المواقف الإسرائيلية. لم تحاول هذه الحكومات إبرامَ تسوية مع عرفات. انهمكت بمحاصرته ومحاولة الانتصار عليه، وأطلقت المستوطنات والمستوطنين وكأنها كانت تطلق النار يومياً على اليد الممدودة إليها.

اعتبرت إسرائيل أنَّ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) وغزوَ العراق وظهورَ «داعش» عواملَ توفّر لها فرصةً سانحة لشطب الحق الفلسطيني والشريك الفلسطيني. يمكن القول أيضاً إنَّها ابتهجت بالانقسام بين غزةَ والضفة، واعتبرت أنَّ إضعاف سلطة الرئيس محمود عباس يشكل هدفاً استراتيجياً حتى ولو أدَّى إلى زيادة نفوذ فصائل غزة. ولعلَّ أبرزَ مساهمةٍ في توفير أجواء حدوث «الطوفان» قدَّمها بنيامين نتنياهو لا سيما عبرَ حكومتِه الحمقاء التي سلكت طريقَ الخيارات الانتحارية. طبعاً مع الالتفات أيضاً إلى دور فصائل فلسطينية في تقويض اتفاق أوسلو عبر العمليات الانتحارية.

يمكن العثورُ أيضاً على شركاء آخرين في صناعة «الطوفان» ومن دون قصد طبعاً. طوت أميركا صفحةَ الوسيط النزيه ولم تحاول جدياً ترميمَ عملية السَّلام أو تحصينها بالحد الأدنى الضروري لاستئنافها لاحقاً. قضمتِ التوغلاتُ الإسرائيلية في الضفة سلطةَ أبو مازن وصدّعت مؤسسات السلطة الفلسطينية. ضعف السلطة الفلسطينية يشكل حالياً عائقاً رئيسياً أمام بلورة حل فلسطيني لغزة بعد وقف النار.

ارتكبت «حماس» بدورها خطأ كبيراً حين توهَّمت أنَّها لن تحتاجَ ذات يوم إلى عباءة عباس وعباءة منظمة التحرير. وها هي المنطقة تدفع ثمنَ طوفان الوحشية رداً على «الطوفان» الذي أطلقته «حماس» وشاركت أطرافٌ أخرى في تسهيل حصولِه بسبب إغلاقِها نافذة السلام وتجاهلِها مبادرةَ السلام العربية التي أطلقت قبلَ عقدين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من صنع «الطوفان» من صنع «الطوفان»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon