توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبو عمار والسنوار وأسئلة الحصار

  مصر اليوم -

أبو عمار والسنوار وأسئلة الحصار

بقلم - غسان شربل

لم يكن يحيى السنوار قد وُلدَ بعد، حين هزَّت ذكرياتُ النكبةِ مشاعرَ شبان فلسطينيين موزعين في القاهرة والكويت وقطر وغيرها. أجروا اتصالات كاملة السرية لاستطلاع إمكان الانضواء في إطار موحد لخوض معركة «استرجاع الأرض كل الأرض». وكانَ السنوار في الثالثةِ من عمره حين أطلقت «فتح» رصاصتَها الأولى في اليوم الأول من عام 1965. وبعد تلك الرصاصة سيحفظ العالمُ أسماءَ المؤسسين. ياسر عرفات (أبو عمار) وصلاح خلف (أبو إياد) وخليل الوزير (أبو جهاد) وفاروق القدومي (أبو اللطف) ومحمود عباس (أبو مازن) إضافةً إلى بعض أسماء أخرى. جاءَ عرفات وخلف والوزير من مناخ «الإخوان» وجاء القدومي من «البعث» ولم تكن لعباس خلفية حزبية أو شبه حزبية. تخطى أفرادُ الحلقة الفتحاوية ميولَهم السابقة وانصهروا في خيار المقاومة الوطنية.

كان السنوار في الرابعة حين زار القدومي وزيرَ الدفاع السوري حافظ الأسد وانتهت الزيارة بالإفراج عن عرفات الذي كانَ معتقلاً في سجن المزة منذ 51 يوماً. وبعد فترة قصيرة سيُعتقل عرفات في بيروت بسبب ضلوعِه في عملية فدائية انطلاقاً من لبنان وهو كان اعتُقل في مصر يوم كانَ طالباً. وكانَ السنوار في الخامسة حين شنَّت إسرائيل حرب 1967 وحوَّلت أجزاءَ من الدول المجاورة رهائنَ لن تفرجَ عن بعضها إلا مقابلَ فدية هي الاعتراف بحقّها في الوجود.

كان في السادسة حين كادتِ القواتُ الإسرائيليةُ تقبض على متسلل اسمه ياسر عرفات. وفي تلك السنة وقعت على أرض الأردن «معركة الكرامة» التي ستعطي «فتح» تفويضاً بقيادة النضال الفلسطيني وستفتح أمام رافع شارة النصر، أبو عمار، أبوابَ عواصمَ في العالم العربي وخارجه.

كان السنوار في الثامنة حين هزَّ الدكتور وديع حداد، رفيق الدكتور جورج حبش في «الجبهة الشعبية»، العالمَ بخطف 3 طائرات إلى «مطار الثورة» في الأردن في 1970. وفي السنة نفسِها ستوفد القمةُ العربية وفداً رفيعاً لإخراج عرفات المحاصر في عمان.

أغلب الظَّنِ أنَّ السنوار يذكر ما حدث في بيروت في 1982. كانَ في العشرين. أحكمت قواتُ الجنرال آرييل شارون حصارَها على العاصمة اللبنانية وسكبت عليها طوفاناً من النار براً وبحراً وجواً. لم يتأخر عرفات في إدراك الحقائق القاسية. الاتحاد السوفياتي ليس مستعداً لتوجيه إنذارٍ، حتى لإرسال سفينة لنقل الجرحى. ومصر ليست قادرةً على الخروج من التزامات كامب ديفيد. وسوريا التي قاتلت قواتُها في لبنان بشراسة في الأيام الأولى من الاجتياح ليست قادرة على إشعال جبهة الجولان. ومن وقفِ النار في بيروت إلى قاعة مجلس الأمن بدت أميركا ممسكةً بالمفاتيح وسط انحسار دور الشرعية الدولية والثقل الأوروبي. لم يكن عرفات في وارد الإصغاء إلى معمر القذافي الذي حضَّ القادةَ الفلسطينيين على الانتحار في بيروت. لم يكن أمامَه غير التوجُّهِ نحو المعبر الإلزامي، وهو المعبر الأميركي، والسعي إلى خفض الأضرار وتحسين الشروط. حبش بدوره سلَّم أن حلم تحويل بيروت ستالينغراد جديدة كانَ مجرد حلم.

حصار بيروت يختلف بالتأكيد عن حصار غزة. إنَّنا نتكلَّم عن مسرحين مختلفين وحقبتين متباعدتين. نتكلَّم عن فترة شهدت سقوطَ أكبرِ قتيل في القرن الماضي واسمه الاتحاد السوفياتي. قتيل سقطَ بالشيخوخة لا بالرصاص. لكن هل هناك نقاط تشابه بين وضعين تفصل بينهما 4 عقودٍ تغيَّر فيها العالمُ كثيراً وظلَّ الجرح الفلسطيني مفتوحاً؟ هل أميركا هي المعبر الوحيد لوقف إطلاق النار وكبح المذبحة الإسرائيلية المروعة في غزة؟ هل تستطيع «حماس» سلوكَ هذا المعبر؟ وهل هي مقبولة؟ هل تستطيع «حماس» الانضواءَ تحت منظمة التحرير واحترام التزاماتها؟ هل تستطيع الالتفاف بعباءة عباس علماً أنَّ حلَّ الدولتين يعني الاعتراف بالضرورة بالدولة الأخرى وهي إسرائيل؟ هل يواجه السنوار أسئلةً شبيهةً بالتي واجهها أبو عمار في بيروت؟ روسيا الحاضرة في سوريا ليست مستعدةً لتوجيه إنذار بإشعال أزمة دولية كبرى من أجل غزة.

ويمكن القول إنَّ إيرانَ تفضّل الدَّعمَ بالواسطة لا الانخراط مباشرة. هل يملك السنوار ورقة لوقف الحرب حتى لو كانت تسليم الأسرى مقابلَ إنقاذ غزة من الدمار الشامل والكامل؟ هل لديه ما يحمي «حماس» من سيناريوهات «اليوم التالي» التي تخرجها من المعادلة؟

كان السنوار في سجنه محكوماً بـ4 مؤبدات حين كان مطبخ أوسلو يجتمع في تونس. وحين نقول مطبخ أوسلو فهذا يعني أبو مازن وأبو العلاء وياسر عبد ربه ومحسن إبراهيم ومحمود درويش وآخرين تحت إشراف أبو عمار. كانت الأيام صعبةً في نقاشات المطبخ. لإعادة القضية إلى أرضها ثمنٌ باهظٌ لا بدَّ من دفعه. ثمنٌ يمزّقُ الروحَ لأنَّه يعني التسليم بـ«حلم أقل وأرض أقل». حين أطلقت «فتح» رصاصتَها الأولى كانَ عرفات ورفاقُه يريدون ما يريده السنوار اليوم «الأرض كل الأرض» لكن موازين القوى لا ترحم والوقت يهدّد الحلمَ والأرض معاً. في النهايةِ غلب خيار التوقيع للحصول على «موطئ قدمٍ في الساحة الخلفية للبيت»، على ما قال محمود درويش. وفي سجنه عرف السنوار أنَّ عرفات صافحَ إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض. وفي زنزانتِه عرف أنَّ «حماس» و«الجهاد» أطلقتا أمواجاً من العمليات الانتحارية لإحباط «تفريط أوسلو».

يفاخر بنيامين نتنياهو أنَّه يعرقل مشروعَ الدولتين. يقول إنَّ اتفاقَ أوسلو «خطأ لن يتكرَّر». لا بدَّ من الانتظار لمعرفة ما إذا كانت حربُ غزةَ الحالية آخرَ المعارك قبل حلّ الدولتين أم أنَّها ستفتح البابَ لمواجهاتٍ جديدة أشدَّ خطورةً تجعل هذا النزاعَ من نوع الجروحِ التي لا شفاءَ لها. ويبقَى السؤال: بماذا يفكّر السنوار؟ وماذا يستخلصُ من تجربةِ أبو عمار؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبو عمار والسنوار وأسئلة الحصار أبو عمار والسنوار وأسئلة الحصار



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon