توقيت القاهرة المحلي 15:56:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من «خاطف الطائرات» إلى «مهندس الطوفان»

  مصر اليوم -

من «خاطف الطائرات» إلى «مهندس الطوفان»

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

حجز بنيامين نتنياهو موقعَه في التاريخ. أقام في رئاسة الوزراء أكثرَ ممَّا أقام فيها «الأبُ المؤسس» ديفيد بن غوريون. قتلَ من الفلسطينيين أكثرَ ممَّا فعل كلُّ جنرالات جيشِه مجتمعين. نادراً ما تيسّر لظالمٍ أن يقتلَ في العصر الحديث هذا العددَ الهائلَ من الأطفال. ردَّ على «طوفان الأقصى» بإلحاق نكبةٍ جديدةٍ بالفلسطينيين أشدَّ إيلاماً من الأولى.

لا مبالغة في هذا الكلام. مذبحة غزة أشدُّ هولاً من المذابح التي واكبتِ الانفجارَ اليوغوسلافي. أكثر خطورة من مذابحِ رواندا لأنَّ حكومة تديرها وينفذها جيشٌ نظامي. لم نشاهد في أشدّ الحروب جرافاتٍ تجمع هذا القدر من الجثثِ الصغيرة وتهيل عليها التراب. لم نشاهد أطفالاً يتزاحمون على كسرةِ خبز بينما يأكل الرعبُ عيونَ أمهاتهم. لم نعاين مثلَ هذا الخرابِ الهائل منذ اقتحام برلين في الحرب العالميةِ الثانية.

يذهب نتنياهو إلى التاريخ حاملاً معه عشراتِ آلاف الجثث. لكنَّه لا يذهب مطمئناً. لم يستطع إنجازَ مهمة شطب الشعبِ الفلسطيني. هذه مهمةٌ مستحيلة. ولم يستطع أن يحملَ معه جثةَ حلمِ الدولة الفلسطينية المستقلة. جو بايدن نفسُه لا يرى أفقاً غيرَ حل الدولتين.

لنترك نتنياهو جانباً. العالمُ شريك في هذه الجريمة المتمادية. تفرج طويلاً على نهر الآلام الفلسطينية. اكتفى بالهدناتِ وإرسال الخيام والإعاشاتِ والضمادات. لم يجرؤ على مواجهة السؤال الحقيقي: لماذا يبقى الشعبُ الفلسطيني بلا دولة على أرضِه أو على جزء منها؟

تذكَّرت أنَّ السؤال المطروح اليوم على يحيى السنوار، زعيمِ «حماس» في غزة و«مهندسِ الطوفان»، يشبه السؤالَ الذي طُرح قبل نصف قرن على الدكتور وديع حداد «خاطفِ الطائرات» ومسؤولِ «المجال الخارجي» في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».

كانتِ الزيارة محاطةً بسرية كاملة. أنزل حداد في مقر في غابةٍ قريبة من موسكو. طرح مسؤولون من الـ«كي جي بي» سؤالَ الدولتين على حداد فردَّ أنَّه لا يقبل إلا بعودة كل شبر من فلسطين. وحين ذكّره محاوروه بسقوط أبرياءِ في العمليات الفلسطينية، طلبَ منهم مراجعة ما رافق اقتحام «الجيش الأحمر» لبرلين. التقى حداد في ختام المحادثات رئيسَ الـ«كي جي بي» يوري أندروبوف، الذي سيتبوأ لاحقاً عرشَ الكرملين. وكانت النتيجة العملية للزيارة موافقةَ موسكو على تزويد «المجال الخارجي» بحفنةٍ من الأسلحة النوعية تسلمها لاحقاً قبالة عدن.

وجد حداد صعوبةً هائلة في تقبّل فكرةِ التنازل عن بلدته صفد، أو أي شبر آخر من فلسطين. وفي تلك الأيام كانَ من الصَّعب على أي قائد فلسطيني قبول ذلك لأنَّه يعني لدى الناس ارتكابَ الخيانة العظمى. والحقيقة التي أظهرتها مذبحةُ غزةَ الحالية هي أنَّ شطبَ الشعب الفلسطيني مستحيل. لكنَّها أظهرت أيضاً أنَّ العالمَ لن يسمح أيضاً بشطب دولةِ إسرائيل. لهذا يشبه الرجوع من الحرب الحالية الدعوة إلى تجرّع السم. إلغاء الآخر متعذرٌ وممنوع، والمخرج الوحيد الممكن هو حلُّ الدولتين على أمل أن تكونَ الحرب الحالية آخرَ الحروب الفلسطينية - الإسرائيلية.

ما أفظعَ أن يهاجمَ الجوع أهالي غزة وكأنَّه يشارك الطائرات في قتلهم! وما أقسى أن يلتفتَ الأطفال إلى الفضاء علّهم يرون المساعدات تهبط بالمظلات! كلُّ مساعدةٍ مقدرة وتستحق الشكر. لكنَّ المشاهدَ ليست بسيطة. لم يستطع سيدُ البيتِ الأبيض إرغامَ نتنياهو على قبول هدنةٍ أو وقفٍ دائم لإطلاق النار. قرَّر التعايشَ مرة أخرى مع نهر الآلام بانتظار «نضوج الظروف». ميناء أميركي قبالة غزةَ وخطّ بحري للمساعدات من قبرص بعدما كان مؤمّلاً أن تطلَّ الهدنة قبل أن يطلَّ شهر رمضان المبارك.

لن تخرجَ إسرائيل منتصرةً من هذه الحرب مهما قتل جيشُها من الفلسطينيين. تحوَّلت عبئاً ثقيلاً على داعميها. التعاطف معها تحوَّل فضيحةً أخلاقية هزَّت صورة الغرب. ثم إنَّ الحربَ ستحقّق عكسَ ما رمت إليه لأنَّ العالم ازدادَ قناعة بأنَّ حلَّ الدولتين هو المعبر الوحيد إلى الأمن والاستقرار ووقف القتل.

إنَّها حربٌ بمرارات كثيرة. ستسترجع إسرائيلُ في النهاية أسرى وجثثاً. لكنَّ الدولةَ المستقلة كابوسٌ لا يمكن إبعاده. وستسترجع «حماس» سجناء من سجون الاحتلال، لكنَّ عددهم سيقلّ بالتأكيد عمن قُتلوا على أرض غزة.

أفكّر في يحيى السنوار قائدِ المعركة الحالية. لا أعرف بماذا يشعر وهو يستمع إلى بايدن يتحدَّث عن تكليف الجيش الأميركي ببناء ميناء قبالة غزة لإيصال المساعدات؟ وبماذا يشعر حين يعاين المظلات الأميركية تهبط حاملة المساعدات؟ وبماذا يشعر حين يسمع أنَّ إعادةَ الإعمار في «اليوم التالي» مشروطةٌ بغياب أنفاق «حماس» وصواريخها عن غزة؟

استوقفني كلامُ أكثر من قيادي فلسطيني بينهم ياسر عبد ربه أنَّ «السنوار فاجأ حلفاءه في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ثم فوجئ بحجم ما حققه هجوم (القسام) في ذلك النهار». هل صحيح أنَّ السنوار لم يتوقع اختراقاً بهذا الحجم في بداية «الطوفان»؟ وهل صحيح أنَّه لم يتوقع رداً إسرائيلياً ينزل بالقطاع نكبة كاملة؟

والواقع أنَّ السؤال المطروح على السنوار هو نفسه الذي طُرح على حداد في موسكو قبل نصف قرن، وهو: هل يقبل الفلسطينيون ببعض الأرض لإقامة دولتهم المستقلة للعيش إلى جانب إسرائيل؟ يتقبّل السنوار فكرة الدولة المستقلة شرط أن لا يُطلب منه الاعتراف بإسرائيل، وهو شرط لا يتنازل عنه الغرب.

النكبةُ رهيبة. هل تستطيع «حماس» العودةَ سريعاً إلى البيت الفلسطيني وبموقف يلزم العالم إقرارَ آليةٍ محددة لولادة الدولة الفلسطينية المستقلة؟ بين السؤال الذي طُرح على حداد والسؤال الذي يُطرح اليوم على السنوار أضاع العالم فرصة شكّلتها تجربة ياسر عرفات الذي حاول اختصار آلامِ شعبه فاصطدم بالعمى السياسي الإسرائيلي والانحياز الأميركي والجبن الغربي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «خاطف الطائرات» إلى «مهندس الطوفان» من «خاطف الطائرات» إلى «مهندس الطوفان»



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon