توقيت القاهرة المحلي 10:37:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إردوغان... الأيام الذهبية ذهبت

  مصر اليوم -

إردوغان الأيام الذهبية ذهبت

بقلم: غسان شربل

في أغسطس (آب) 2014 زرتُ الرئيس عبد الله غل بعد أيام من انتهاءِ ولايته الرئاسية. كانتِ الزيارة للمجاملة، فقد كان الرجل شديد الدماثة يوم كنَّا نقصد أنقرة وإسطنبول لمحاورة الثلاثي غل - إردوغان - داود أوغلو لاستكشاف ملامح السياسة التركية الناشطة في الإقليم. ولم يكن سراً أن غل كان رئيساً «في عهد إردوغان» تماماً، كما تولى ديمتري مدفيديف رئاسة روسيا في عهد فلاديمير بوتين. ثم إن التجارب تقول إن هاتف المسؤول في منطقتنا يتوقف عن الرنين حين يخسر لقبه، خصوصاً إذا غادر موقعه بعد تراجع منسوب الودِّ مع «الرجل القوي» في البلاد.

تحدثنا عن الأزمة السورية التي كانت مستعرة. تفادى المتحدث أي كلامٍ مباشر عن سياسة إردوغان هناك أو عن علاقته معه. خامرني شعورٌ أن الرجل يريد التقاط أنفاسه ولا يريد خوض معركة مبكرة مع رفيقه القديم هذا إذا كان يريد خوضها. وشعر غل أنه تباخلَ على الزائر بالإشارات، لهذا تعمّد أن يقول حين صافحته مودعاً: «في أي حال النبرة العالية لا تحل المشاكل لا في الخارج ولا في الداخل». وكانت الرسالة صريحة وهي تقصد احتجاجه على أسلوب إردوغان في إدارة العلاقات مع الدول مستخدماً العبارات النارية كانتقاله من عبارة «صديقي بشار» إلى عبارة «الديكتاتور في دمشق». وربما كان غل يحرص على عدم الصدام باكراً مع رجل لم يعرف بتسامحه مع الرفاق الذين يغادرون السفينة ويحمّلون قبطانها مسؤولية ارتطامها بالصخور.

عاودني السؤال عن سياسة إردوغان في سوريا بعد ثلاث سنوات. في سبتمبر (أيلول) 2017 ذهبت من الشرق الأوسط إلى إقليم كردستان. تيسَّر لي أن أقابل في مقر مكافحة الإرهاب في أربيل عدداً من المعتقلين من «تنظيم داعش» بينهم صيني وكازاخي وأميركي. كان الخيط المشترك في رواياتهم أنهم قدموا إلى الأراضي التركية وتولت شبكات نقلهم من هناك إلى «دولة الخلافة»، حيث انخرطوا في صفوف «داعش». ولأنني ابن الشرق الأوسط بحساسياته وحساباته هالني أن تكون تركيا تتصرف كمن يلعب بالنار حين فتحت حدودها أمام آلاف المقاتلين الجوالين وبذريعة «إسقاط نظام الأسد». ولم يخطرْ يومها في بال إردوغان أي هدية يقدم، ومن غير قصد، للرئيس الروسي الذي يفضِّل الانقضاض على المتشددين على المسرح السوري، بدلاً من دفع أثمان مواجهتهم على المسرح الروسي ومحيطه.

نموذج آخر من السياسات الإردوغانية المتعجلة. في ديسمبر (كانون الأول) 2008، استقبل إردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. وخلال اللقاء انتقل أكثر من مرة إلى غرفة جانبية للاتصال بالأسد آملاً تحويل اللقاء الثنائي قمة ثلاثية. لم يحضر الرئيس السوري واشترط تعهداً إسرائيلياً علنياً بالانسحاب من الجولان. كان إردوغان يراهن على رغبة دمشق في اختراق العزلة التي دخلتها بعد اضطرارها إلى سحب قواتها من لبنان في 2005 إثر اغتيال رفيق الحريري. قبل ذلك كانت إسطنبول استضافت، في أحد فنادقها وفي طابقين منفصلين، وفداً سورياً وآخر إسرائيلياً في مفاوضات غير مباشرة. وكان أحمد داود أوغلو ينتقل بين الطابقين حاملاً أفكاراً وصياغات. لم تنجح المحاولة، وغادر أولمرت وسرعان ما اندلعت الحرب في غزة.

استفاد إردوغان إلى حد بعيد من تحسن الاقتصاد في بلاده. استفاد أكثر من اعتقاد جهات غربية أن «النموذج التركي يشكل جسراً لإبرام مصالحة بين الشعوب الإسلامية وقيم الحداثة». وتباهت أنقرة في تلك الأيام بقدرتها على التحدث إلى الجميع وفضلت التغاضي عن الهجوم الإيراني الواسع في الإقليم، معتبرة إيران مجرد «منافس» وليست «خصماً أو عدواً». تبدلت الصورة مع اندلاع حرائق «الربيع العربي». وتزايدت الشواهد على ما سماه المراقبون «برنامجاً تركياً - قطرياً بنكهة إخوانية» ظهر جلياً في الموقف مما عاشته مصر وليبيا وسوريا. ولاحظ مراقبون في أوروبا أن امتداح النموذج التركي تضمن قدراً غير قليل من التسرع ومن نقص المعلومات حول السياسة العميقة لإردوغان، التي اختبأت سنوات تحت ابتسامة داود أوغلو وشعار «تصفير المشاكل».

في الحلقة السورية سارت الرياح خلاف ما يشتهيه إردوغان. التدخل العسكري الروسي حسم مسألة بقاء الأسد. وهكذا تقلَّصت طموحات أنقرة السورية إلى إبعاد المسلحين الأكراد عن حدودها. إسقاط تركيا الطائرة الروسية أوقعها في عملية تطويع روسية تتجاوز في أبعادها إقدام تركيا الأطلسية على شراء صواريخ «إس 400» الروسية وإغضاب واشنطن. اهتمام روسيا بهذا الاختراق الذي حققته داخل حلف «الناتو» عبر البوابة التركية لم يدفعها إلى تقديم هدايا كبرى لأنقرة على الأرض السورية. موضوع نقطة المراقبة التركية المحاصرة خير دليل ومعه الغارات الجوية على إدلب. اتبع الكرملين مع أنقرة أسلوب الهدايا الصغيرة لضمان الاستمرار في تعكير علاقتها مع أميركا. واشنطن التي باتت تراودها الشكوك في وفاء إردوغان للأطلسي اتَّبعت بدورها أسلوب الخطوات الصغيرة والهدايا المحدودة. تساير أنقرة في موضوع «المنطقة الآمنة» وتشارك فيه لوضع ضوابط للحركة التركية. هكذا بدت السفينة التركية حائرة بين الالتزامات القديمة حيال أميركا والأطلسي والالتزامات الجديدة حيال روسيا.

هذه العلاقات الرجراجة جعلت السياسة الخارجية التركية تتميز بالانعطافات المفاجئة والتوتر في ظروف إقليمية معقدة ومشهد دولي يتَّسم بضبابية عالية. خير دليل تهديد إردوغان أوروبا بفتح الأبواب لإغراقها باللاجئين السوريين إذا لم تدفع المبالغ المناسبة. لغة غير معهودة في التخاطب بين الدول. انتقلت السفينة التركية من تصفير المشكلات إلى تصفير الصداقات. سادت لغة سوء التفاهم.

ترافق ذلك مع انحسار موجة التفاؤل باستمرار الازدهار التركي. تراجعت العملة وتزايد تردد المستثمرين الأجانب. وجاء الأسلوب الثأري الذي عالج به إردوغان ما عرف بـ«انقلاب غولن». حملة تطهير واسعة تخطت الجيش إلى القضاء والإدارة والمدارس والجامعات. ووشوشات حول حملة تفجيرات «غامضة». جرحته إسطنبول حين رفضت أن تبايعه. فرض إعادة الانتخابات فيها فعمَّقت جرحه. لا يحق للسلطان أن يخسر إسطنبول. هذه الصفعة لا تنساها الكتب. تضاعفت شكوكه بأبرز الرفاق القدامى. استنتجوا أن مشكلة السفينة في قبطانها فبدأوا القفز منها قبل أن يطردهم. وها هم يستعدون لإطلاق حزب جديد.

يتمشى إردوغان متوتراً في القصر الشاسع. التانغو متعب مع ترمب. والتانغو باهظ مع بوتين. لا يريد أن يصدق أن الأيام الذهبية ذهبت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إردوغان الأيام الذهبية ذهبت إردوغان الأيام الذهبية ذهبت



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

النجمات يتألقن في فساتين سهرة ذات تصاميم ملهمة لموسم الخريف

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:02 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة
  مصر اليوم - سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة

GMT 21:03 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية
  مصر اليوم - وجهات سياحية مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية

GMT 20:39 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طرق دمج لوحات الفن التجريدي بديكور المنزل لخلق جوّ هادئ
  مصر اليوم - طرق دمج لوحات الفن التجريدي بديكور المنزل لخلق جوّ هادئ

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

GMT 00:04 2024 الإثنين ,05 آب / أغسطس

الزمالك يتعاقد مع عمر عزب لاعب كرة السلة

GMT 20:17 2020 الإثنين ,17 شباط / فبراير

مؤشر البورصة العراقية يغلق على ارتفاع

GMT 05:06 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على المواصفات والعيوب الشخصية لمواليد "برج القوس"

GMT 13:50 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية اختيار ديكورات أسقف مطابخ منزلية عصرية

GMT 12:34 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق فعاليات مؤتمر الإفتاء الخامس بمشاركة علماء 85 دولة

GMT 06:19 2019 الأحد ,07 تموز / يوليو

رسمات أيلاينر مقوس بأسلوب عصري لصيف 2019

GMT 21:06 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

علاء مبارك ينشر مقطع فيديو مؤثر عن والده
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon