توقيت القاهرة المحلي 18:05:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أى حزب.. وأى لبنان.. وأى إيران؟

  مصر اليوم -

أى حزب وأى لبنان وأى إيران

بقلم:غسان شربل

مؤلمةٌ المشاهد الوافدة من لبنان. مخيفةٌ ومروعة. جثثٌ تقيم تحت الأنقاض وبيوتٌ محروقة أو مهجورة. مليون نازح. رقم قياسى فى تاريخ البلاد. بعضهم يفترشون الأرضَ فى قلب العاصمة، وينام آخرون فى سياراتهم لتعذر العثور على سقف. كائنات معدنية قاتلة تجتاح الخريطة بكاملها. تنقل رائحة الموت إلى كلّ الجهات ومعها رائحة القلق والذعر.

يشعر اللبنانى العادى بالظلم والبؤسِ والعزلة. ليس لديه رقمٌ للاتصال به. لا رئيس فى القصر للرهان على صوته أو دوره. ورئيس حكومة تصريف الأعمال «نجيب ميقاتى» يفعل ما فى استطاعته. ورئيسُ مجلس النواب «نبيه برى» لا يملك تفويضًا لبلورة صيغة كافية لإقناع الوسيط الأمريكى بلجم آلة القتل الإسرائيلية. ولا يستطيع المواطن الاتصال بـ«حزب الله» الذى يملك ترسانة صاروخية كان يعتقد أنَّها كافية للردع.

ثمة من يتحدَّث عن «عشرة أيام هزَّت لبنانَ وركائزه». بدأت بانفجار أجهزةِ الاتصال فى السابع عشر من الشهر الحالى، وانتهت فى السابع والعشرين منه، مع اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله. تعرَّض الحزب لما يشبه الكسر فى عموده الفقرى. تعرض لضربة غير مسبوقةٍ أصابت قياداته وآلته العسكرية وأظهرته مكشوفًا فى بلد مكشوف.

ليس بسيطًا أن يتَّخذ بنيامين نتنياهو قرارًا بحجم اغتيال نصر الله، وهو يعرف أنَّه اللاعب الأولُ فى لبنان، ولاعبٌ إقليمى بارز فى «محور الممانعة» الذى تقوده إيران. ويعرف أنَّ هذا الاغتيال لا يقل خطورة عن اغتيال الجنرال قاسم سليمانى. والأخطر من كل ذلك أن يعتبر نتنياهو أنَّ اغتيال نصر الله كان ضروريًا لإحداث تغيير فى التوازنات التى حاول مع رفيقه سليمانى تثبيت قواعدها فى الشرق الأوسط. أظهر حجم الضربات الإسرائيلية فى لبنان أنَّ إسرائيل أطلقت انقلابًا على موقع «محور الممانعة» فى المنطقة، وهو انقلاب على المشروع الإيرانى بكامله. وليس بسيطًا أيضًا أن يقول بايدن وهاريس إنَّ الاغتيال «حمل قدرًا من العدالة لضحايا» زعيم «حزب الله».

بعض الماضى يساعد فى فهم أخطار الحاضر. كان ذلك فى ١٩٨٢. كان اسم رئيس الحكومة الإسرائيلية، مناحيم بيجن، واسم وزير دفاعه أرييل شارون. ذهبنا إلى مقر اللاعب الأول فى لبنان يومَها، وكان اسمه ياسر عرفات. سألناه عن التهديدات الإسرائيلية فأجاب: «إذا ارتكب شارون حماقة مهاجمة لبنان، عليه الاستعداد لاستقبال سيل من النازحين من مستوطنات الجليل».

وكانت منظمة التحرير الفلسطينية تستخدم صواريخَ الكاتيوشا ضد الجليل لتذكر العالم ومعه إسرائيل بقضيتها، وألا أمن للدولة العبرية من دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم. وقياسًا بترسانة «حزب الله» كانت ترسانة منظمة التحرير شديدة التواضع. وبعد أسابيع، أطلقت إسرائيلُ عملية «سلامة الجليل»، التى حوَّلها شارون إلى حصار لبيروت انتهى بمغادرة عرفات وقوات المنظمة لبنان. اعتبرت إسرائيل أنها لا تستطيع التعايش مع تحول حدودها مع لبنان إلى حدود إسرائيلية - فلسطينية.

قصة اليوم مختلفة. «حزب الله» لبنانى، وقواته من أبناء بيئته، لكن إسرائيل استغلت «حرب المساندة» التى أطلقها غداة «طوفان الأقصى» لاستنتاج أن حدودها مع لبنان تحولت إلى حدود إسرائيلية - إيرانية. اعتبرت حكومة نتنياهو أن يحيى السنوار نفذ شيئًا يشبه ما كان لوّح به «حزب الله»، وهو اقتحام الجليل. قرَّرت إسرائيل إسقاط ما اعتبرته حدودًا إسرائيلية - إيرانية فى جنوب لبنان، وربَّما لرهانها على أنَّ أى انخراط إيرانى مباشر فى المعركة سيؤدى إلى مواجهة إيرانية - أمريكية تبرّر لوضع المنشآت النووية الإيرانية على لائحة الأهداف.

المشاهد اللبنانية كارثية. بلد بكامله تحت النار. البلد مكشوف والحزب مكشوف. مسلسل الغارات لا يتوقف ومعه مسلسل الاغتيالات. كشفتِ الحرب خللًا هائلًا فى ميزان القوى. الآلة العسكرية الإسرائيلية توظف تقدُّمَها التكنولوجى الهائلَ فى عملية انقضاض لا ترحم.

قبل أسبوعين فقط كان من المستحيل على أى مراقب تخيل مشاهد من هذا النوع. كان الانطباع أنَّ «حزب الله» قوة متراصة يصعب تحقيق اختراق عميق فيها، وإن كان يتوقع حدوث اختراقات على هوامشها. لم يحدث أن تعرَّض فصيلٌ مسلح لمثل ما يتعرَّض له الحزب. «حماس» المطوّقة فى غزة لم تتعرَّض لشىء مشابهٍ على الرغم من الدمار الواسع الذى لحق بها وبالقطاع.

من يستطيع إخراجَ لبنان من هذا الجحيم؟، وما هو الثمن؟، وهل يستطيع «حزب الله» الموافقةَ على إخراج جبهة جنوب لبنان من المواجهة مع إسرائيل بعد كل ما لحق به؟، وما هو خياره الآخر؟، وأين تقف إيران؟، هل كانت تملك فرصةً للتدخل غداة اليوم الأول من الأيام العشرة الرهيبة؟، هل هى غير قادرة أم غير راغبة؟.

أسئلة كثيرة ستطرح عندما تتوقَّف عاصفة النار. كيف سيقرأ «حزب الله» الزلزال الذى استهدفه مع بيئته؟، كيف ستكون علاقة قيادته الجديدة مع إيران فى غياب نصر الله الذى كان معترفًا له بدور الشريك أو ما يقترب منه؟، كيف ستكون علاقات الحزب داخل «البيت اللبنانى»، خصوصًا إذا اقتضى وقف النار تطبيقًا جديًا للقرار ١٧٠١ ودورًا جديًا للجيش اللبنانى إلى جانب «اليونيفيل» هناك؟.

أسئلة كثيرة. كيف سيعيد الحزبُ بناءَ نفسه وتحديد دوره فى ضوء موازين القوى والدروس؟، ملامح الحزب بعد العاصفة ستؤثر بالضرورة على ملامح لبنان وترميم مؤسساته وإعادة جمع حجارة وحدته ورسم موقعه الإقليمى. وماذا عن وحدة الساحات؟، وأى إيران سنرى بعد هدأةِ العاصفة؟، وبأى دور إقليمى فى لبنان وخارجه؟، وأى سوريا سنرى إذا نجحت فى محاولتِها البقاء خارج العاصفة مستفيدة من الوسادة الروسية وترميم بعض علاقاتها العربية؟.

نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أى حزب وأى لبنان وأى إيران أى حزب وأى لبنان وأى إيران



GMT 06:50 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

GMT 06:48 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 06:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 06:43 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 06:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 06:40 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 06:38 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 06:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

أميركا والفضائيون... أسرار الصمت المدوي

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 17:46 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020

GMT 17:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

الفنانة مريم حسن تتعاقد على بطولة مسلسل "أبو جبل"

GMT 23:17 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

دورة تحكيم في جمباز الأيروبيك بالاتحاد الدولي للجمباز

GMT 16:26 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكّد أن الهاتف المحمول أقذر بـ7 أضعاف من مقعد المرحاض

GMT 04:58 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد تستعد لأول مسلسل مع خطيبها الفنان أحمد فهمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon