توقيت القاهرة المحلي 00:09:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حين يرجع العراق

  مصر اليوم -

حين يرجع العراق

بقلم :غسان شربل

العراق الذي استضاف قمة «التعاون والشراكة» قبل يومين هو بالتأكيد غير العراق الذي استضاف القمة العربية في 2012. أشياءُ كثيرة تغيَّرت في العراق وحوله وفي المشهد الدولي أيضاً. لكن أبرزَ ما تغيَّر في بغداد هو انطلاق عملية هادئة وجريئة تهدف إلى إعادة العراق إلى العراق. وشاءت الصدفة أن تنعقد القمة في بغداد فيما تسابق أميركا الوقت للخروج من قفص مطار كابل، ما أكدَ الحاجة إلى تبريد التشاحن الإقليمي.
من عايش عن قرب السنوات الشائكة التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق وبعدها غزو «داعش» لقسم من أراضيه يعرف حجم الأخطار التي كانت محدقة بهذا البلد. قبل سنوات كان يمكن للمتابع أن يسمعَ أن العراق غرق في مستنقع لا خروجَ منه، وأنَ الحرب بين مكوناته طبيعية، وأن الزواج كان قسرياً والودَّ كان مزيفاً. وكان يمكن أيضاً سماع أن إقامة الأكراد في العراق الاتحادي لن تطول على رغم ما رسمه الدستور وأنهم سيختارون الابتعاد عن العراق «المريض». وقبل ذلك بسنوات كان هناك من يقول إنَّ الآلة الأميركية الهائلة أطبقت على بغداد، وإن العراق سيدور في فلكها لعقود طويلة. وبعدها كان هناك من يقول إن ملامحَ الدولة العراقية آخذة في الإمحاء لمصلحة إدارة إيرانية مباشرة وإن تغطَّت بالفصائل.
الذين خافوا من العراق الأميركي سرعان ما تنفسوا الصعداء بعدما ظهر جلياً أنَّ النفوذ الأميركي غادر قبل مغادرة الجنود الأميركيين. والذين سلموا بالمصير الإيراني للدولة العراقية يكتشفون في الآونة الأخيرة أنَّ العراق التابع لإيران ليس جذاباً لأهله، وليس مقبولاً في المنطقة وليس مرحباً به في العالم. في المقابل بدا واضحاً أن لا مكاسب يجنيها العراق من الانزلاق إلى خانة العداء لأميركا. وبالمنطق نفسه بدا أن لا مكاسب يجنيها من الانزلاق إلى خانة العداء لإيران وإيقاظ كل الذكريات المؤلمة. وتزايدت القناعة أن العراق الأميركي مشروع مشكلة، وليس مشروع حل، وأنَّ العراق الإيراني مشروع اشتباك طويل يطيح فرص الاستقرار والازدهار.
في ظلّ هذه القناعات التي أكدتها تجارب باهظة، تبلورت في السنة الأخيرة ملامح مشروع يقوم على استعادة العراق العراقي ومن دون أن يكونَ جندياً في هذا المعسكر أو ذاك. العراق الذي عانى الأمرين من الصراعات على أرضه، وخصوصاً من الاشتباك الإيراني - الأميركي، راح يحلم بأن يكونَ أرضَ حوار بين أهل الإقليم وبينهم وبين القوى الكبرى الحاضرة في المنطقة. وهكذا تبلور ما يشبه الصيغة التي تقوم على نهج التعايش والاعتدال والرهان على الدولة ومؤسساتها في الداخل وعلى الحوار واحترام المصالح المتبادلة في الخارج والتعامل بمنطق الدول السيدة لا بمنطق الإملاء والإكراه. وأظهر مسؤولون عراقيون رغبة أكيدة في أن يصب أي تقليص لأي نفوذ خارجي في رصيد الدولة العراقية لا في رصيد قوى الأمر الواقع.
كان على مؤسسات الدولة العراقية أن تستعيدَ صدقيتها لدى المواطن ولدى العالم أيضاً. لا يستطيع العالم الوثوق بدولة إذا كان قرارها موزعاً على الفصائل التي يدير بعضها صواريخ جاهزة للاستخدام ومسدسات كاتمة مستعدة لاصطياد الناشطين. ولم يكن أمام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي غير التمسك بسلاحي الصبر والإصرار في المبارزة الطويلة بين منطق الدولة ومنطق الفصائل. وأفاد الكاظمي في هذا المجال من شوق العراقيين إلى الدولة، وشعور أهل الإقليم والعالم بأن عودة العراق العراقي حاجة عراقية وإقليمية ودولية.
كانت ملامح «العراق الجديد» واضحة في خطب برهم صالح ومصطفى الكاظمي وتصريحاته. الدولة. الدستور. المؤسسات. احترام إرادة الناخبين. وسيادة العراق. ورفضه أن يكون ساحة لحروب الآخرين. ورفضه أن يكونَ مصدر تهديدات لجيرانه. ورفضه الانزلاق إلى المحاور. ورغبة العراق في بناء الجسور في كل الاتجاهات. وأن يكونَ أرضَ حوارٍ لا مسرحَ صِدامٍ.
لا يستطيع أحد الادعاء أنَّ الصورة ورديةٌ وأنَّ المهمة أنجزت. لكن يمكن القول إن العراق استطاع تحقيقَ خطوات بارزة في إعادة إعمار علاقاته داخل الإقليم وخارجه. هذا لم يحدث مثلاً في سوريا. ولا يبدو وارداً في لبنان بسبب الغيبوبة المطلقة لسلطاته التي تنشغل بالمساحيق فيما البلد مندفع نحو النار.
من التسرع القول إنَّ «العراق الجديد» حسم المعركة لصالحه. ثمة من لا يزال يصر على التعامل مع «الساحة العراقية» بدلاً من الدولة العراقية. والساحات تعني السلاح المنفلت ومواسم الاغتيالات والاستقواء على الدولة وتقاسم الخرائط ومن عليها.
وعلى رغم المخاض الصعب الذي ستكون الانتخابات القريبة علامة فارقة فيه يواصل العراق تقدمه لتحسين صورته في الداخل والخارج. في رحاب مشروع «العراق الجديد» استضافت بغداد قمة «التعاون والشراكة» التي شملت دول الجوار وتعدتهم. تمكن العراق من جمع خصوم تحت سقف واحد لتشجيعهم على التحاور كي يكون متنافسين لا أعداء. وأتاح المناخ الفرصة للقاءات عربية - عربية كانت تبدو متعذرة قبل عام. وكانت بغداد سجلت نقطة في دبلوماسية التسهيل حين ساعدت على انعقاد اتصالات سعودية - إيرانية واستضافتها. ولا مبالغة في القول إنَّ القمة كانت مهمة بمكان انعقادها ومستوى المشاركة وما دار على هامش جلساتها. أما «الخطأ» البروتوكولي الذي ارتكبه الوزير حسين أمير عبد اللهيان فهو من الأسباب التي تزيد الحاجة إلى القمة، سواء كان خطأ أم رسالة تغطت بخطأ.
عودة العراق العراقي حقٌ لأبنائه ومكسبٌ لأمته. عودة سوريا السورية من القماشة نفسها. ويمكن قول الشيء نفسه عن لبنان واليمن. تعبت المنطقة من الساحات المستباحة والجيوش الصغيرة. الدولة وحدها توفر وسادة استقرار وفرصة ازدهار. كانت بغداد قبل عقدين بداية دورة من الانهيار. يأمل العربي أن تكونَ عودة العراق بداية أيام مختلفة في دول الجوار وأبعد منها. والأكيد أن عودة العراق إلى دوره تعيد قدراً من التوازن الذي اختل في غيابه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين يرجع العراق حين يرجع العراق



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:38 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي
  مصر اليوم - إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 10:03 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة عمل الفاصوليا البيضاء

GMT 04:45 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن المصري يكشف حقيقة اختطاف فتاة في منطقة "المعادي"

GMT 10:07 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الصحة: تسجيل 106 إصابات جديدة بـ كورونا و12 وفاة

GMT 11:56 2020 الخميس ,13 آب / أغسطس

7 أشكال غريبة لرفوف الكتب تعرفي عليها

GMT 17:04 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

مستشار الرئاسة التركية ياسين أقطاي يوجه رسالة إلى مصر

GMT 08:00 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سيات أتيكا 2020 في مصر رسميًا

GMT 03:29 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

داليا مصطفى تتعرَّض لعملية نصب وتُحذِّر الفنانين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon