توقيت القاهرة المحلي 10:32:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إسرائيل وحدود النار

  مصر اليوم -

إسرائيل وحدود النار

بقلم:غسان شربل

ماذا دارَ في رأس بنيامين نتنياهو في الطَّائرة التي أقلَّته عائداً من رحلتِه الأميركية؟ ما استنتجه يعني المنطقةَ برمَّتِها لأنَّه سيؤثر على قراراتِ حكومتِه على جبهة لبنان وجبهةِ غزة معاً. هل استنتج أنَّه أعادَ ترميمَ مظلّتِه الأميركية عبرَ اللقاءاتِ التي عقدها مع جو بايدن وكامالا هاريس ودونالد ترمب على رغمِ الملاحظات والتباينات؟

هل يعتقد نتنياهو أنَّه حصلَ على تفويضٍ بمتابعة الحروبِ على رغم تحفظٍ هنا وملاحظةٍ هناك؟ هل يعتقد أنَّ الشهورَ الفاصلةَ عن ولادةِ الرئيس الأميركي الجديد هي فرصةٌ لاستكمال «المهمة» التي حدَّدها في غزة؟ وهل يتصوَّر أنَّ ما جرى في بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل يعطيه فرصةً للقيام بـ«مهمةٍ» مماثلة على الجبهة مع لبنان؟

صفَّقَ أعضاءُ الكونغرس طويلاً للزائر الإسرائيلي الذي باتَ يحمل الرقمَ القياسي في مخاطبتهم. لكنَّ عددَ المقاعدِ الشاغرةِ لم يكن قليلاً. ثم إنَّ هاريس التي تخوض سباقَ البيت الأبيض لم تشعر بضرورةِ الاستماع إلى مطالعةِ رئيس الوزراء الإسرائيلي. هل استنتج الزائرُ أنَّ أميركا تغيَّرت ولو قليلاً؟ وأنَّ ما جرى في الشوارع والجامعات ليس عابراً وأنَّ زمنَ التفويضِ القاطعِ والمفتوح لم يعد مضموناً كما كان؟

يصعبُ التكهُّنُ بما دار في رأس نتنياهو. ثمةَ مخاوفُ من أن يعتبرَ ما جرى في مجدل شمس فرصةً لا تتكرَّر لنقلِ مشاهدِ غزة إلى أرضِ لبنان وعلى الأقل إلى الشريطِ الحدودي المتاخمِ لإسرائيل. ومخاوفُ من أن يعتقدَ أنَّها فرصةٌ لخوضِ معركةِ إعادةِ مائةِ ألفِ إسرائيلي إلى المستوطناتِ والقرى التي غادروها بفعل «حرب المشاغلة» التي أطلقَها «حزبُ الله» غداةَ «طوفان الأقصى».

يعرف نتنياهو أنَّ زمنَ الحروبِ الخاطفة قد انتهى إلى غير رجعة. لم تعد إسرائيلُ قادرةً على إعلان نهايةِ الحرب استناداً إلى ضربةٍ قاضية. تغيَّرت طبيعةُ المتحاربين وتغيَّرت طبيعةُ الحروب. يعرف أيضاً أنَّ جبهةَ لبنان كانت ولا تزال أخطرَ من جبهة غزة. وأنَّ «حزبَ الله» يملك أضعافَ التَّرسانةِ التي تبدَّت في يد «حماس». يعرف أيضاً أنَّ خطَ التَّماس مع «حزب الله» هو في العمق خطُّ تماس مع إيران نفسِها. وأنَّ طهرانَ لا تستطيع احتمالَ أن يتعرَّضَ الحزبُ لما تعرَّضت له «حماس». وأنَّ خطوطَ الحزبِ مفتوحةٌ من جنوب لبنان إلى طهران. وأنَّ مشاركةَ الخرائط التي ساهمت في دعمِ «حماس» ستكون مضاعفةً حين يتعلَّق الأمرُ بالحزب.

في الشهورِ الماضية سمعَ اللبنانيون تهديداتٍ إسرائيلية مقلقة. ثمَّةَ من أكَّدَ قدرةَ إسرائيل على نقلِ ويلات غزة إلى بيروت. وهناك من تحدَّث عن قدرةِ الجيش الإسرائيلي على إعادة لبنان إلى العصرِ الحجري. لم تسفرِ التهديداتُ عن إخراج المواجهةِ عن «قواعد الاشتباك» التي عاشت عشرةَ أشهرٍ باستثناءِ خروقات محدودة. نجحت واشنطن في إلزام إسرائيلَ بالامتناعِ عن التسبب في حربٍ إقليمية واسعة.

وفَّرت حادثةُ مجدل شمس لمتطرفي الحكومةِ الإسرائيلية ذريعةً لمطالبة نتنياهو بإطلاق الحربِ على مصراعيها ضد لبنان. بلغَ الجنونُ حدَّ المطالبةِ بإحراق بيروت. ارتفعت أصواتُ النازحين من شمالِ إسرائيلَ تتَّهم نتنياهو بالتهاون في مصيرهم. تحدَّث آخرون عن تحوّل إسرائيلَ دولةً غيرَ آمنة يتحسَّسُ قسمٌ من مواطنيها باسبوراتِهم بحثاً عن بلادٍ أخرى وعن ملامحِ «هجرة معاكسة».

لن تكونَ الحربُ المفتوحة على جبهة لبنان، في حال اندلاعِها، نزهةً بالنسبة إلى إسرائيل. في الشهور الماضية قدَّم «حزبُ الله» نماذجَ من ترسانتِه التي باتت تختلفُ كثيراً عمَّا كانَ يمتلكه في حرب 2006. بالمقابل وظَّفت إسرائيلُ تفوقَها التكنولوجيَّ لقتل مئاتٍ من مقاتلي الحزب. لن تكونَ نزهة لإسرائيل أمنياً واقتصادياً، لكنَّها ستكون كارثية بالنسبة إلى لبنان.

لا مبالغة في القول إنَّ لبنانَ مثخنٌ على كلّ المستويات. مؤسساتُه متهالكة. اعتادَ اللبنانيون على قصرِ الرئاسةِ الشاغر والبرلمان شبه المعطَّل وحكومةِ تصريفِ الأعمال المتصدعة. اللبنانيون منقسمون حولَ أشياءَ كثيرةٍ بينها «حربُ المشاغلة» فيما الخبزُ أصعبُ من ذي قبل وشهوةُ الهجرةِ تتقدَّمُ على كلّ ما عداها.

الدولةُ اللبنانيةُ لم تعد لاعباً جدياً، لا في الجنوب ولا في بيروت. يميل قسمٌ غيرُ قليلٍ من اللبنانيين إلى الاعتقاد أنَّ لبنانَ دُفع إلى وظيفة إقليمية تفوق قدرتَه، وأنَّه لم يستطع في الشهور الماضية اتَّباعَ سياسةٍ لخفضِ الأخطار كالتي اتَّبعتها سوريا. يعتقد كثيرون أنَّه إذا كانت حربُ غزةَ أكبرَ من غزة فإنَّ أي حرب واسعة في لبنان ستكون أكبرَ بكثير من لبنان.

ماذا دارَ في رأس نتنياهو في الطائرة التي أعادته أمس إلى إسرائيل؟ هل يكتفي بتوجيهِ ضربةٍ تشعل حريقاً لافتاً ومحدوداً على غرار ما فعل مع الحوثيين، أم يعتبر أنَّ إسرائيلَ لا تستطيع التعايشَ مع ترسانة «حزب الله» المقيمة قربَ حدودها؟ الدعواتُ إلى التَّحرك ضدَ لبنان لا تقتصر على معسكره. في المعارضة أصواتٌ تدعو إلى الثأر من الحزب ولبنان.

ستظهر الأيامُ المقبلةُ ما إذا كانت أميركا الضائعةُ بين هاريس وترمب لا تزال قادرةً على حماية قرارِها السابق بمنعِ الانزلاق إلى حربٍ إقليمية. ستظهر ما إذا كانت تستطيع تسريعَ موعدِ إطفاءِ النار في غزة وعلى أمل أن يؤديَ ذلك إلى إطفاءِ حروبِ المشاغلةِ التي أطلَّت من خرائطَ عدة؟ إطفاءُ النار يحتاج إلى «التانغو» المعقد بين أميركا وإيران، فهل الأخيرة مستعدةٌ للمساعدة في ضبطِ الحرائقِ وبأي أسلوبٍ وأي ثمن؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل وحدود النار إسرائيل وحدود النار



GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 08:01 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon