توقيت القاهرة المحلي 19:11:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«جنرال الهلال» وتبدّل الأحوال

  مصر اليوم -

«جنرال الهلال» وتبدّل الأحوال

بقلم: غسان شربل

تُحصي إيران الأيامَ التي تفصلُ عن موعد مغادرة دونالد ترمب البيت الأبيض. تمطر الإدارة التي تتهيَّأ للمغادرة بالتحذيرات، وتنذرها بمفاجآت من داخل البيت الأميركي. ترفع سقف التحديات ودرجة تخصيب اليورانيوم والتهديدات معاً، لكنَّها تمتنع عن إعطاء سيد البيت الأبيض ذريعة إطلاق عملية عسكرية ضدَّها.
في الذكرى الأولى لاغتيال الجنرال قاسم سليماني، تذّكر إيران العالم بقدرتها على إبقاء قسمٍ من الشرق الأوسط يعيش على صفيح ساخن. صواريخها وطائراتها المسيرة موجودة في العراق واليمن وسوريا ولبنان وغزة. الميليشيات التي رعتها في هذه الدول تبدو مستعدة لمشاركتها في الذهاب بعيداً إن اختارت ذلك، بغض النَّظر عن الأوضاع الصعبة التي تعيشها هذه الدول التي تنام الصواريخ في أرضها. لا حاجة إلى الأرقام للتذكير بمعاناة الناس من التدهور الاقتصادي في لبنان وسوريا والعراق واليمن، خصوصاً بعدما ضاعف «كورونا» الخسائر والأثقال.
واضحٌ أنَّ إيران تملك أوراقاً في عواصم عدة وخرائطَ عدة. لكنَّ الواضحَ أيضاً هو أنَّها غير قادرة على تنظيم ردّ بحجم الخسارة التي شكلَّها بالنسبة إليها قتل سليماني. التحرش بهدف أميركي في الشرق الأوسط سيقوّي حجة الصقور الأميركيين الذين يدعمون استخدام القوة ضد إيران. ومثل هذا الاشتباك لن يكون بسيطاً لأنَّه لن يؤثر فقط على العلاقة مع إدارة ترمب، بل أيضاً مع إدارة جو بايدن. يضاف إلى ذلك أنَّ أي رد يؤدي إلى استمرار العقوبات الاقتصادية سيشكل انتكاسة لإيران، خصوصاً بعدما أظهرت عقوبات ترمب أنَّ دول العالم تختار العلاقات مع أميركا إذا خُيّرت بينها وبين إيران.
كان يمكن لإيران أن تذهبَ في اتجاه آخر؛ أي باتجاه حرب محدودة مع إسرائيل. هذا الخيار أيضاً يبدو صعباً. فمثل هذه الحرب قد تكون أكبر من قدرة لبنان على الاحتمال، خصوصاً في ظروفه الحالية. وإيران ليست طليقة اليد لإطلاق الصواريخ من الأراضي السورية، ليس فقط بسبب الأوضاع الحالية للجيش السوري، بل أيضاً بسبب الدور الروسي في هذا البلد. والوضع العراقي نفسه لا يشجّع على الأفراط في استخدام «الساحة العراقية».
أغلب الظَّن أنَّ إيران ستختار في النهاية، ولو من دون إعلان، الاستمرارَ في سياسة السعي إلى تقويض العلاقات الأميركية مع عدد من دول المنطقة. وهذا يمكن أن يتّخذَ شكلَ مطالبة أميركا بانسحاب كامل من العراق، ومزيد من الإمساك بالقرار اللبناني، واستخدام أوسع للوكيل الحوثي في البحر الأحمر.
قبل عام، اتخذ دونالد ترمب قراراً لم يكن أحدٌ يعتقد أنَّ رئيساً أميركياً يمكن أن يتَّخذه؛ إنَّه قرار قتل الجنرال قاسم سليماني.
قصة قتل سليماني مختلفة عن قصة قتل أسامة بن لادن أو أبي بكر البغدادي. جاء سليماني من قاموس آخر. من بلد يرفض مغادرة جمر الثورة للإقامة في مؤسسات دولة طبيعية أو عادية. وهو جنرال في دولة ينص دستورها على واجب القوات المسلحة في «تصدير الثورة». وبصفته قائداً لـ«فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري»، كان سليماني مكلفاً قيادة الهجوم الكبير في الإقليم. وخلال ممارسته لدوره، اتَّخذ الرجل حجماً يفوق صفتَه وصلاحياتِه، متسلحاً بنتائج الاختراقات التي حققها داخل عدد من الخرائط، ومتكئاً دائماً على دعم كامل من المرشد علي خامنئي. وهكذا كثر الكلام عن تحول سليماني «الرجل الثاني» في النظام بعد المرشد، بغض النظر عن اسم رئيس الجمهورية.
تسألُ سياسياً عراقياً تعامل مع سليماني عمَّا يعتقده إنجازات حقَّقها الرجل من وجهة نظر طهران، فيجيب طالباً عدم ذكر اسمه: «عندما اقترب الغزو الأميركي للعراق، عدت طهران ذلك هدية استثنائية، إذ كان نظام صدام يشكل عائقاً أمام تدفّق سياستها وميليشياتها في الإقليم، على الرغم من أنَّه كان منزوعَ الأظافر بفعل الحصار والعقوبات. لم تكن طهران قادرة على عرقلة الغزو الأميركي، لكنَّها اتخذت قراراً بمنع قيام حكومة مستقرة موالية للأميركيين في بغداد، واستخدام كل السبل والوسائل لتحقيق ذلك. هكذا حاول سليماني تحويل إقامة الأميركيين في العراق جحيماً، متجاوزاً في بعض الأحيان كل الخطوط الحمراء في تحريك خيوط داخل مجموعات تجاهر بالعداء لإيران نفسها. بعد سنتين تقريباً، ستتّخذ طهران بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري قراراً بعدم السماح بقيام حكومة لبنانية مستقرة صديقة للغرب والاعتدال العربي في بيروت. وفي هذا السياق، ربَّما يمكن فهم حرب 2006 ضد إسرائيل، وأحداث ما سمي 7 مايو (أيار) 2008 التي شرعنت قيامَ طهران بوراثة النفوذ السوري الذي كان قائماً في البلاد قبل اغتيال الحريري».
وأضاف المتحدث: «لدى اندلاع الثورة في سوريا، اتخذت طهران قراراً بالإبقاء على نظام بشار الأسد، مهما كان الثمن، وكانت مهمة سليماني قيادة تنفيذ هذا القرار. وفي هذا السياق، يمكن فهم تدخل (حزب الله) اللبناني في سوريا، ثم قيام سليماني باستقدام الميليشيات المتعددة الجنسية التي من دونها ما كان يمكن إنقاذ النظام بالتدخل الروسي الجوي وحده. ويمكن أن تضيفَ إلى ذلك الاختراق في اليمن الذي يندرج في برنامج تطويق الدول الرئيسية في المنطقة. أمَّا في الساحة الفلسطينية، فقد كان سليماني مهندسَ العلاقة مع الممانعة الفلسطينية التي أدَّت إلى قيام كيان غزة».
لا شكَّ أنَّ المنطقة تغلي. ولم يكن سراً أنَّ الأسابيع الأخيرة من عهد ترمب ستكون من قماشة «أسابيع الجمر». لكن السؤال هو ماذا ستفعل إدارة بايدن حين تتسلَّم هذه الملفات الحارقة؟ لا شكَّ أنَّ ترمب ترك بصماته بقوة على ملف المواجهة الأميركية - الإيرانية. اغتيال سليماني كان بحدّ ذاته تغييراً لقواعد اللعبة، تماماً كالخروج من الاتفاق النووي، والذهاب بعيداً في فرض العقوبات. لا شيءَ يوحي بأنَّ رفع شعار الموت لـ«الشيطان الأكبر» يؤدي إلى موته. ولا شيءَ يوحي أيضاً بأنَّ تجميع العواصم على صفيح ساخن يكرس لإيران موقع «الشريك الأكبر» لـ«الشيطان الأكبر». ولا شيءَ يوحي بأن حماوة ذكرى «جنرال الهلال» ستؤدي إلى تبدل الأحوال. ولم يعد خافياً أنَّ تبدُّلَ الأحوال مرهون باقتناع طهران بأنَّ العيش في دولة طبيعية داخل الخريطة المعترف بها دولياً أفضل لمستقبل الإيرانيين من نهج اختراق الخرائط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«جنرال الهلال» وتبدّل الأحوال «جنرال الهلال» وتبدّل الأحوال



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:47 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

ميسي وصيفا لـ محمد صلاح تسويقيا

GMT 16:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السويد تعتقل عراقيا اتهمته بالتجسس لصالح إيران

GMT 06:05 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تعرّف على الفوائد الصحيّة لفيتامين "ك" ومصادره الطبيعية

GMT 05:39 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

حقيقة إصابة خالد الغندور بفيروس كورونا

GMT 07:44 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

سيفاس يفوز على دينيزليسبور بصعوبة في الدوري التركي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon