توقيت القاهرة المحلي 18:21:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إطلالة الشرع... وكؤوس السم

  مصر اليوم -

إطلالة الشرع وكؤوس السم

بقلم:غسان شربل

نادراً ما تتَّجه الأنظار المحلية والإقليمية والدولية إلى رجلٍ واحد. هذا يحدث فقط عند المنعطفات الكبرى. ليس بسيطاً على الإطلاق أن يطلَّ شاب أربعينيٌّ من ساحة المسجد الأموي في دمشقَ ليطويَ صفحةَ ما يزيد عن نصف قرن من حكم عائلة الأسد. اقتلاع «البعث» السوري بأيدٍ سورية حدثٌ قد يفوق في تداعياته ما رتَّبه على العراق والمنطقة اقتلاعُ تمثال نظام صدام حسين على يد الغزو الأميركي.

كان المشهد هائلاً أو رهيباً. أحمدُ الشرع في باحة المسجد الأموي وبشارُ الأسد افتتح تقاعدَه في المنفى الروسي. ضاعف الإثارة أنَّ الشرعَ ليس رجلاً مجهولاً. عرفه العالم من قبل بكنيته «أبو محمد الجولاني». كان الرجل مطلوباً وتابع كثيرون أخبار رحلته مع أبو مصعب الزرقاوي وأبو بكر البغدادي وافتراقه عنهما في محطات لها رنةٌ كبرى تحت عناوين «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» وصولاً إلى «هيئة تحرير الشام».

ومن حقّ السوريين وأهلِ المنطقة والعالم أن يسألوا عمَّا يدور في مخيّلة الرجل وأوردةِ رأسه. أولُ الأسئلة ماذا يريد الشرع وهل تبديلُ الزِّي يعكس تغييراً في القاموس ومفرداته؟ أي سوريا يريد؟ وهل يستطيع إدارةَ غابة البنادق التي حملته إلى دمشقَ ومنحته لقب «الرجل القوي» في سوريا ربَّما بانتظار الألقاب المقبلة؟ هل يستطيع منعَ جموح رفاق له يبحثون عن حرب هنا أو انغماس هناك؟ هل تغيَّرت «هيئة تحرير الشام» أثناء كمونِها على مدى سنوات في معقل إدلب؟ وهل باتت مستعدةً للتصالح مع حقائق التركيبة السورية والموازين الإقليمية والشروط الدولية؟ وثمة من يعتقد أنَّ سوريا تستطيع مرافقة أحمد الشرع بنسخته الجديدة لكنَّها لا تستطيع الإقامة في ظل النسخة التي كانَ يمثلها «أبو محمد الجولاني».

أسئلة. أسئلة. أسئلة. هل تتوافر حالياً شروطُ قيامِ سوريا المبنيةِ على المواطنة والمؤسسات؟ سوريا التي تعيش في ظلّ دستور يحترم التعدديةَ وحق الاختلاف. سوريا المبنية على القانون والعدالة بلا انتقام أو تصفية حسابات. ماذا عن السُّنة والعلويين والدروز والمسيحيين، وماذا عن العرب والأكراد؟ وماذا عن حقوقِ الإنسان وحقوق المرأة والحرياتِ الشخصية ومناهج التعليم؟ سوريا موحدة تهجسُ بمكافحة الفقر والالتحاق بقطار التَّنمية والتقدم. سوريا التي تعيش داخل حدودِها من دون أوهام دور إقليمي اقتحامي وتصدير نموذج لا يريده جيرانُها. وما علاقة سوريا بالحاضنة العربيةِ ومع إيران وتركيا وما هو موقفها من إسرائيل؟ أرسلَ الشرع رسائلَ تطمينية لكنَّها تحتاج إلى عبارات أوضح ومفردات أكثر صراحة.

أطلَّ الشرع من ساحة الأمويين فاكتملت ملامحُ الزلزال. سوريا بلا الأسد. وبلا إيران. وبلا «حزب الله». أرغم محور الممانعة على سلوك طريق التقاعد، على الأقل في الوقت الحاضر. طريق طهران بيروت التي أنفق قاسم سليماني دماً وملياراتٍ وسنوات لتعبيدها قُطعت على نحوٍ محكم. أعادَ سقوط الأسد «حزب الله» إلى الخريطة اللبنانية وها هو زعيمه يعترف بخسارةِ طريق الإمداد وهي كانت طريق دوره الإقليمي. إنَّنا أمام سوريا أخرى ولبنان آخر.

دقَّت إطلالة الشرع جرسَ الإنذار في العواصم القريبة. سوريا مربوطة بشرايين المنطقة ومستقبلها يمسُّ الأمنَ والاستقرار والتوازنات. خشيت بغداد أن يثيرَ انقلاب المعادلات في سوريا شهيةَ من يحنّون إلى قلب المعادلات في العراق. خشيت عمّان أن تكونَ سوريا على أبواب مواعيد شائكة فعبَّر لقاء العقبة عن رغبةٍ عربية ودولية في احتضان «عملية سياسية جامعة» تفضي إلى سوريا تتَّسع لكل مكوناتها. الجمهورية اللبنانية المقطوعة الرأس عاودتِ البحثَ عن رئيس وهي تتساءل عمَّا إذا كان «حزب الله» استوعبَ «الدرس المرير الذي يجب أن نتعلَّم منه»، على حد قول قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي.

لإطلالة الشرع نكهةٌ إقليميةٌ صريحة. لم تُخفِ تركيا دورَها في إطاحة الأسد الذي رفضَ دعوات متكررةً لمصافحة رجب طيب إردوغان. بدا واضحاً أنَّ الزعيم التركي لعب دوراً حاسماً في إقناع روسيا وإيران بتجرّع كأسِ السُّم. تنازلت روسيا عن الرجل الذي تدخلت عسكرياً لإنقاذه. وتنازلت إيران عن المعبرِ السوري إلى لبنان. لعبت إيرانُ دورَ المرشد في عهد الأسد. وقد تلعب تركيا دورَ المرشد في عهد الشرع. لكن لا بدَّ من الانتظار لمعرفة ما وفَّره إردوغان من ضمانات وضمَّادات لروسيا وإيران في مقابل تنازلهما عن دعم الأسد.

بعد رحيل الأسد تصرَّفت إسرائيلُ بعدوانية صارخة. دمَّرت آخرَ قدرات الجيش السوري. بدا أنَّها تتوقَّع أن تكونَ سوريا الجديدة مصدراً للأخطار لا للاستقرار وتعاملت مع إطلالة الشَّرع كأنَّها مجردُ إطلالة للجولاني. هل ستتولَّى تركيا رعايةَ بناء الجيش السوري الجديد وتسليحه؟ وهل تقبل إسرائيلُ بأن ترابطَ تركيا عند حدودها بعدما خاضت حرباً طويلة لإبعاد إيران عن هذه الحدود؟ وهل تقبل إيرانُ بالأرجحية الإقليمية للدور التركي أم تراهن على انتكاسِ الوضع السوري الجديد للتسرب إليه؟

لم يذرفِ العالمُ دمعةً على جمهورية الكبتاغون. أهوالُ الظلمِ والقتل والتعذيب في سجن صيدنايا لم تترك مجالاً لأي أسف. مشهدُ مكبسِ الجثث على الشَّاشات هزمَ مخيلاتِ أفضل كتاب روايات القسوة. سيستفيد الوضعُ الجديد في سوريا من هذه الإداناتِ السوريةِ والعربية والدولية لماراثون الوحشية الذي قادَه جلاوزةُ الأمنِ وأقام طويلاً. لكن المستقبل أهمُّ من الماضي وستكشف الشهور المقبلة ما إذا كانت سوريا فتحتِ النافذةَ على المستقبل.

وزَّعت إطلالةُ الشرع كؤوسَ السُّمِ على النّظام وحلفائه ويبقى الأهمُّ إبعادُ سوريا عن كؤوس الفوضى والعنف والإرهاب والاحتراب الأهلي بين المكونات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إطلالة الشرع وكؤوس السم إطلالة الشرع وكؤوس السم



GMT 06:50 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

GMT 06:48 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 06:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 06:43 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 06:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 06:40 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 06:38 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 06:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

أميركا والفضائيون... أسرار الصمت المدوي

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:00 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني
  مصر اليوم - مندوب مصر في مجلس الأمن نواصل جهودنا لدعم الشعب السوداني

GMT 17:46 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020

GMT 17:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

الفنانة مريم حسن تتعاقد على بطولة مسلسل "أبو جبل"

GMT 23:17 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

دورة تحكيم في جمباز الأيروبيك بالاتحاد الدولي للجمباز

GMT 16:26 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكّد أن الهاتف المحمول أقذر بـ7 أضعاف من مقعد المرحاض

GMT 04:58 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد تستعد لأول مسلسل مع خطيبها الفنان أحمد فهمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon