توقيت القاهرة المحلي 16:49:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أي حزب وأي لبنان وأي إيران؟

  مصر اليوم -

أي حزب وأي لبنان وأي إيران

بقلم:غسان شربل

مؤلمةٌ المشاهدُ الوافدة من لبنان. مخيفةٌ ومروعة. جثثٌ تقيم تحت الأنقاض وبيوتٌ محروقة أو مهجورة. مليون نازح. رقم قياسي في تاريخ البلاد. بعضهم يفترشون الأرضَ في قلب العاصمة وينام آخرون في سياراتهم لتعذر العثور على سقف. كائنات معدنية قاتلة تجتاح الخريطة بكاملها. تنقل رائحة الموت إلى كلّ الجهات ومعها رائحة القلق والذعر.

يشعر اللبناني العادي بالظلم والبؤسِ والعزلة. ليس لديه رقمٌ للاتصال به. لا رئيس في القصر للرهان على صوته أو دوره. ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يفعل ما في استطاعته. ورئيسُ مجلس النواب نبيه بري لا يملك تفويضاً لبلورة صيغة كافية لإقناع الوسيط الأميركي بلجم آلة القتل الإسرائيلية. ولا يستطيع المواطن الاتصال بـ«حزب الله» الذي يملك ترسانة صاروخية كان يعتقد أنَّها كافية للردع.

ثمة من يتحدَّث عن «عشرة أيام هزَّت لبنانَ وركائزه». بدأت بانفجار أجهزةِ الاتصال في السابع عشر من الشهر الحالي وانتهت في السابع والعشرين منه مع اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله. تعرَّض الحزب لما يشبه الكسر في عموده الفقري. تعرض لضربة غير مسبوقةٍ أصابت قياداته وآلته العسكرية وأظهرته مكشوفاً في بلد مكشوف.

ليس بسيطاً أن يتَّخذ بنيامين نتنياهو قراراً بحجم اغتيال نصر الله وهو يعرف أنَّه اللاعب الأولُ في لبنان ولاعبٌ إقليمي بارز في «محور الممانعة» الذي تقوده إيران. ويعرف أنَّ هذا الاغتيال لا يقل خطورة عن اغتيال الجنرال قاسم سليماني. والأخطر من كل ذلك أن يعتبر نتنياهو أنَّ اغتيال نصر الله كان ضرورياً لإحداث تغيير في التوازنات التي حاول مع رفيقه سليماني تثبيت قواعدها في الشرق الأوسط. أظهر حجم الضربات الإسرائيلية في لبنان أنَّ إسرائيل أطلقت انقلاباً على موقع «محور الممانعة» في المنطقة، وهو انقلاب على المشروع الإيراني بكامله. وليس بسيطاً أيضاً أن يقولَ بايدن وهاريس إنَّ الاغتيال «حمل قدراً من العدالة لضحايا» زعيم «حزب الله».

بعض الماضي يساعد في فهم أخطار الحاضر. كان ذلك في 1982. كان اسم رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن واسم وزير دفاعه أرييل شارون. ذهبنا إلى مقر اللاعب الأول في لبنان يومَها وكان اسمه ياسر عرفات. سألناه عن التهديدات الإسرائيلية فأجاب: «إذا ارتكب شارون حماقة مهاجمة لبنان، عليه الاستعداد لاستقبال سيل من النازحين من مستوطنات الجليل».

وكانت منظمة التحرير الفلسطينية تستخدم صواريخَ الكاتيوشا ضد الجليل لتذكر العالم ومعه إسرائيل بقضيتها، وأن لا أمن للدولة العبرية من دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم. وقياساً بترسانة «حزب الله» كانت ترسانة منظمة التحرير شديدة التواضع. وبعد أسابيع، أطلقت إسرائيلُ عملية «سلامة الجليل» التي حوَّلها شارون حصاراً لبيروت انتهى بمغادرة عرفات وقوات المنظمة لبنان. اعتبرت إسرائيل أنها لا تستطيع التعايش مع تحول حدودها مع لبنان حدوداً إسرائيلية - فلسطينية.

قصة اليوم مختلفة. «حزب الله» لبناني وقواته من أبناء بيئته لكن إسرائيل استغلت «حرب المساندة» التي أطلقها غداة «طوفان الأقصى» لاستنتاج أن حدودها مع لبنان تحولت حدوداً إسرائيلية - إيرانية. اعتبرت حكومة نتنياهو أن يحيى السنوار نفذ شيئاً يشبه ما كان لوّح به «حزب الله»، وهو اقتحام الجليل. قرَّرت إسرائيل إسقاط ما اعتبرته حدوداً إسرائيلية - إيرانية في جنوب لبنان وربَّما لرهانها على أنَّ أي انخراط إيراني مباشر في المعركة سيؤدي إلى مواجهة إيرانية - أميركية تبرّر وضع المنشآت النووية الإيرانية على لائحة الأهداف.

المشاهد اللبنانية كارثية. بلد بكامله تحت النار. البلد مكشوف والحزب مكشوف. مسلسل الغارات لا يتوقف ومعه مسلسل الاغتيالات. كشفتِ الحرب خللاً هائلاً في ميزان القوى. الآلة العسكرية الإسرائيلية توظف تقدُّمَها التكنولوجيَّ الهائلَ في عملية انقضاض لا ترحم.

قبل أسبوعين فقط كان من المستحيل على أي مراقب تخيل مشاهد من هذا النوع. كان الانطباع أنَّ «حزب الله» قوة متراصة يصعب تحقيق اختراق عميق فيها، وإن كان يتوقع حدوث اختراقات على هوامشها. لم يحدث أن تعرَّض فصيلٌ مسلح لمثل ما يتعرَّض له الحزب. «حماس» المطوّقة في غزة لم تتعرَّض لشيء مشابهٍ على رغم الدمار الواسع الذي لحق بها وبالقطاع.

من يستطيع إخراجَ لبنان من هذا الجحيم؟ وما هو الثمن؟ وهل يستطيع «حزب الله» الموافقةَ على إخراج جبهة جنوب لبنان من المواجهة مع إسرائيل بعد كل ما لحق به؟ وما هو خياره الآخر؟ وأين تقف إيران؟ هل كانت تملك فرصةً للتدخل غداة اليوم الأول من الأيام العشرة الرهيبة؟ هل هي غير قادرة أم غير راغبة؟

أسئلة كثيرة ستطرح عندما تتوقَّف عاصفة النار. كيف سيقرأ «حزب الله» الزلزال الذي استهدفه مع بيئته؟ كيف ستكون علاقة قيادته الجديدة مع إيران في غياب نصر الله الذي كان معترفاً له بدور الشريك أو ما يقترب منه؟ كيف ستكون علاقات الحزب داخل «البيت اللبناني» خصوصاً إذا اقتضى وقف النار تطبيقاً جدياً للقرار 1701 ودوراً جدياً للجيش اللبناني إلى جانب «اليونيفيل» هناك؟

أسئلة كثيرة. كيف سيعيد الحزبُ بناءَ نفسه وتحديد دوره في ضوء موازين القوى والدروس؟ ملامح الحزب بعد العاصفة ستؤثر بالضرورة على ملامح لبنان وترميم مؤسساته وإعادة جمع حجارة وحدته ورسم موقعه الإقليمي. وماذا عن وحدة الساحات؟ وأي إيران سنرى بعد هدأةِ العاصفة وبأي دور إقليمي في لبنان وخارجه؟ وأي سوريا سنرى إذا نجحت في محاولتِها البقاء خارج العاصفة مستفيدة من الوسادة الروسية وترميم بعض علاقاتها العربية؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أي حزب وأي لبنان وأي إيران أي حزب وأي لبنان وأي إيران



GMT 11:57 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

رمزان من القوى الناعمة فى مصر

GMT 10:18 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

الثرثار الرائع

GMT 10:17 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

مَن يخبر الناس؟ الصحافة أم مشاهير السوشيال ميديا؟

GMT 10:15 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

أزمة السودان وخطاب الإقصاء

GMT 10:14 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 10:13 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

كليوباترا وسفراء دول العالم

GMT 10:11 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

«قيصر» وضحايا التعذيب في سوريا

GMT 10:10 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

... مستنهِض الضاد

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:53 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024
  مصر اليوم - اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024

GMT 10:37 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

الرئيس عبد الفتاح السيسي يصدر قرارين جمهوريين جديدين
  مصر اليوم - الرئيس عبد الفتاح السيسي يصدر قرارين جمهوريين جديدين

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 16:04 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سيمون تتحدث عن علاقة مدحت صالح بشهرتها
  مصر اليوم - سيمون تتحدث عن علاقة مدحت صالح بشهرتها

GMT 02:00 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

حكايات السبت

GMT 01:19 2024 السبت ,07 كانون الأول / ديسمبر

أبحاث جديدة تحذر من علاقة سكر الفركتوز بالسرطان

GMT 16:54 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

مي عمر بإطلالات شبابية عصرية وأنيقة

GMT 09:22 2021 الثلاثاء ,07 أيلول / سبتمبر

افتتاح معرض شغف في مركز الهناجر للفنون المصري

GMT 13:58 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

دي بروين مهدد بالغياب عن مباراة بلجيكا ضد روسيا

GMT 05:51 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

حقيقة مفاوضات الزمالك مع لابا كودجو

GMT 12:52 2021 الجمعة ,04 حزيران / يونيو

سامسونج تطلق حواسب Galaxy اللوحية الجديدة

GMT 07:02 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

بيل غيتس يكشف سبب رفض الناس اللقاحات والأقنعة

GMT 21:05 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

منتخب النمسا لكرة اليد يزرو منطقة أهرامات الجيزة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon