توقيت القاهرة المحلي 02:53:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صدام والقذافي وعلي صالح والحريري

  مصر اليوم -

صدام والقذافي وعلي صالح والحريري

بقلم:غسان شربل

نفثَ دخانَ سيجارِه وقال: «دعوني أخبركم بما لم يسربْه بعد باعةُ الأسرار. ذاتَ يوم جاءني مديرُ الأمن العام. قال إنَّ استمرارَ وجودِ الخميني في العراق ينذر بفتنةٍ وأخطار. لم يلتزم شروطَ الضيافة، ولا يكفُّ عن التحريض. تحدث عن بلورة خطةٍ محكمة لإخفاء الزائر الصعب، وَطَيِّ قصتِه مرةً واحدة وإلى الأبد. وأضاف أنَّه يمكن مواراتُه في نقطةٍ في الصحراء لا يعرفها أحدٌ. ويمكن أن يترافقَ ذلك مع تسريبات أنَّه غادر سراً إلى إيران، أو التسريب بأنَّ جهازَ (السافاك) الإيراني نجحَ في خطفه. نظرت إلى المتحدث، وقلت له: هل تريد أن يسجّلَ التاريخ أنَّ العراق يغدر بضيوفه؟ ارتبك مديرُ الأمن العام، وغادر معتذراً، ثم كانَ ما كان».
وأضاف: «في سنة أخرى جاءني مسؤولٌ أمني رفيع. قال إنَّ جلال طالباني ومسعود بارزاني حوَّلا شمال البلاد شوكةً في خاصرة العراق. وجودهما معاً في بغداد يوفر فرصةً ثمينة للتخلّص منهما بالسُّم أو بغيره. أجبته غاضباً: لا أحبُّ الرجلين لكن بغداد هي بيتي، وهل تريد أن يقال إنني أغدر بمن يدخل بيتي؟».
لم تكن الليلةُ عاديةً للرجل المقيم في الفندق البعيد. كانَ يعرف أنَّ الشاشات ستسترجع تلك الأيام. صورة تمثالِه يهوي تحت وطأة مدرعة أميركية، وصورة جورج بوش يحتفلُ بالقبض عليه في حفرة، وصورة الحبل ملتفاً حول عنقه؛ لهذا اختار زاوية على شرفة الفندق لملاعبة ذكرياته. لكنَّهم وصلوا فجأة. معمر القذافي وعلي عبد الله صالح ورفيق الحريري. ابتسم باقتضاب. أغلب الظَّن أنَّهم جاؤوا لمواساته. ليس حزيناً ولا كسير الخاطر. «إذا كنت لا تستطيع منع عدوّك من قتلك، فعاقبه بحرمانه من فرصة إذلالك».
رحّب بهم، وشكرهم على الحضور، وقال: «لا يختار القائد مصيرَه. يمشي إلى قدره. وأنا لست ساذجاً. أنا ابن هذا التاريخ الصاخب الذي يمشي رجالُه على الزجاج المطحون. لم أتوقع قَطُّ أن يزورني الموتُ بفعل تراكم السنين، أو أن تغدرني نوبة قلبية. أراد القدرُ نفسه أن يكونَ موتي كحياتي طلقةً مدوية في وجه أعدائي».
لم يستغرب علي صالح ما يسمع. شعر القذافي بقدر من الغيرة، وخشي أن يكونَ كلام صدام حسين عن الخميني محاولة مقصودة لتذكيره بالمصير الذي رسمه للإمام موسى الصدر، لكنَّه كبت رغبتَه في الاحتجاج. ما أصعبَ الاحتجاج في حضرة صدام! استنتج الحريري أنَّ صدام لم يتعلم من محنته ومحنة عائلته وشعبِه، لكنَّه ضبطَ ملامح وجهه.
تابع: «أنا قاتلت إيران على الحدود كي لا أقاتلها في شوارع بغداد. كنت أعرف أنَّها تستعدّ لتصفية حسابات التاريخ. هل رأيتم ماذا حلَّ بالعراق حين تنازعه رجالٌ صنعهم بول بريمر ورجال صنعهم قاسم سليماني؟ لست نادماً على رفضي نصيحةَ مدير الأمن العام. أترك لمحكمة التاريخ أن تقول كلمتَها. في المناسبة أنا لا أنكر قصة اجتياح الكويت. حرَّضني أقرب الناس إليّ، وأخذتني الغفلة. الشعور بالقوة أشرسُ أنواع المسكرات. ولعلَّهم استعجلوا إعدامي كي لا أفتح الدفاتر على مصراعيها».
وأضاف: «أنا لا أستغرب ما حل بي. أنا قاتلت وقَتلت وقُتلت. وعلى الرغم من الفوارق أستطيع قول الشيء نفسه عنك يا أخ علي. والأمر نفسه عنك أيها الأخ معمر. لكن ما ذنب رفيق الحريري ليُقتل؟ رمَّم أبنية بيروت وروحها، واستعادها من أشداق الحرب، وكان يحاول، بالازدهار لا بالرصاص، استعادة قرار البلاد وسيادتها يوم كان غازي كنعان ورستم غزالي ينصبان الرؤساء والحكومات، كما فعل سليماني لاحقاً في بغداد».
قال علي صالح: «صحيح. أنا قاتلت وقَتلت وقُتلت. لكن من قتلوني قتلوا اليمن أيضاً. انظر إلى ما فعلوه بالشعب والدولة والسيادة والقرار. اليمن صعب أصلاً. وعر في الجغرافيا، ووعر في التاريخ. أدرت البلاد كمن يقلب القنابل بين يديه. ناورت وأرجأت وحاربت وصالحت، لكنَّني سرقت الوحدة، ودافعت عنها. رقصت على رؤوس الثعابين حتى لدغتني. أترك للتاريخ أن يحكمَ بين ما فعلته لبلادي وما فعله الحوثيون ببلادنا».
وتحدث القذافي قائلاً: «الأميركيون الذين قتلوا نظامَك، وسهلوا قتلك حاولوا قتلي قبل سنوات. وصلت طائراتهم إلى غرفة نومي. ولا أخفيك أنَّ الخوف راودني يوم رأيت جثتك تتأرجح على حبل الإعدام. ولا أكتم أنني حسدتك. ذهبت إلى مصيرك بلا انحناء أو توسل. حرمت من قتلوك بهجة رؤية دمعة في عينيك. أعرف أنك غاضب مني، وهي مناسبة كي أعتذرَ أنا الذي لا يعتذر. أذكر جيداً أنَّ أولَ صاروخ أطلقته إيران على بغداد كان من مخازننا. وفي الحقيقة لم أكن متحمساً لإرسال الصواريخ كما كان عبد السلام جلود، لكن الغفلة أخذتني. هذه أقدارنا. أنا أيضاً قاتلت وقَتلت وقُتلت. وانتهت القصة بقتلي على يدِ من كنت أظلمهم وأسميهم أبنائي. أنا أيضاً طاردت النكبةُ عائلتي، ووزعت أولادي بين المقابر والمعتقلات والتخفي».
قال الحريري مبتسماً: «أنا أعتذر. لا أملك تاريخاً صاخباً أو شائكاً. لا قاتلت ولا قَتلت ومع ذلك قُتلت. قصتي مع القائد الفلسطيني وديع حداد مجرد فصل عابر لشاب متحمس لعروبته. أنا جئت من صناديق الاقتراع. ودخلت المكاتب من أبوابها. لا تزعمت ثورة، ولا قدت انقلاباً. يأخذون عليَّ ضلوعي في القرار 1559. هل يعد مجرماً من يحلم بالعيش في دولة طبيعية تفكر بالازدهار لا بالانتحار؟ لست حزيناً لأنَّ جسدي تطاير في شوارع بيروت. أنا حزينٌ لأنَّ لحم بلادي تطاير كما تطاير لحم مرفئها ولحم روحها ومعناها. جريمتي لا تتخطى محاولة إشعال القناديل في ليل العبوات وزارعيها. لم أكن أتوقع أن يضربني مع بلادي الزلزال الذي ضرب العراق».
طالت سهرةُ الذكريات على شرفة الفندق البعيد، ولا يتسع المجال هنا لنقل كامل «وقائعها».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صدام والقذافي وعلي صالح والحريري صدام والقذافي وعلي صالح والحريري



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

النجمات يتألقن في فساتين سهرة ذات تصاميم ملهمة لموسم الخريف

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:02 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة
  مصر اليوم - سترة كيت ميدلتون الأكثر مبيعاً بعد إطلالتها الأخيرة

GMT 21:03 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية
  مصر اليوم - وجهات سياحية مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية

GMT 20:39 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

طرق دمج لوحات الفن التجريدي بديكور المنزل لخلق جوّ هادئ
  مصر اليوم - طرق دمج لوحات الفن التجريدي بديكور المنزل لخلق جوّ هادئ

GMT 23:59 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله يعلن إطلاق "مرحلة جديدة" في المواجهة مع إسرائيل
  مصر اليوم - حزب الله يعلن إطلاق مرحلة جديدة في المواجهة مع إسرائيل

GMT 14:40 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وسيلة لمنع الحمل قد تزيد من خطر تعرض النساء لسرطان الثدي
  مصر اليوم - وسيلة لمنع الحمل قد تزيد من خطر تعرض النساء لسرطان الثدي

GMT 22:35 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

إنجي المقدم تعود إلى الدراما بعد غياب 3 سنوات
  مصر اليوم - إنجي المقدم تعود إلى الدراما بعد غياب 3 سنوات

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

GMT 00:04 2024 الإثنين ,05 آب / أغسطس

الزمالك يتعاقد مع عمر عزب لاعب كرة السلة

GMT 20:17 2020 الإثنين ,17 شباط / فبراير

مؤشر البورصة العراقية يغلق على ارتفاع

GMT 05:06 2019 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على المواصفات والعيوب الشخصية لمواليد "برج القوس"

GMT 13:50 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية اختيار ديكورات أسقف مطابخ منزلية عصرية

GMT 12:34 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق فعاليات مؤتمر الإفتاء الخامس بمشاركة علماء 85 دولة

GMT 06:19 2019 الأحد ,07 تموز / يوليو

رسمات أيلاينر مقوس بأسلوب عصري لصيف 2019

GMT 21:06 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

علاء مبارك ينشر مقطع فيديو مؤثر عن والده

GMT 22:43 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة لهيفاء وهبي تُثير الجدل على "إنستغرام"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon