توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحادث المؤلم... وخيار المحاسبة

  مصر اليوم -

الحادث المؤلم وخيار المحاسبة

بقلم - غسان شربل

في حياة الدول، كما في حياة الأفراد، أيام تحمل أخباراً صعبة أو مؤلمة. وتفيد التجارب بأن أفضل السبل للتعامل مع هذا النوع من الأيام هو مواجهتها على قاعدة الشجاعة والمسؤولية والشفافية. الخيار الوحيد حيال الأخبار المؤلمة هو التعامل معها بمنتهى الجدية. معرفة ملابساتها والأسباب التي قادت إليها، وتحديد الأسباب والمسؤوليات، ومحاسبة المتورطين والمقصرين. وفي موازاة ذلك، استخلاص العبر مما حدث لضمان عدم تكراره.

وأي قارئ لتجارب الأفراد والدول يدرك أن الأخطاء قد تقع، ويمكن أن تتسم بخطورة استثنائية أيضاً. الأفراد يخطئون بسبب سوء التقدير والمبالغة وتجاوز الصلاحيات وتوهم القدرة على الإفلات من المحاسبة. وأفراد الأجهزة يرتكبون أحياناً ما يرتكبه أي فرد من سوء تصرف أو سوء تقدير، متناسين حدود الصلاحيات، ومتجاهلين الضوابط التي يفترض أن تحكم سلوك المنضوين في جهاز أو مجموعة. الحديث عن الأخطاء التي تحصل لا يعني أبداً تبريرها، بل على العكس هو تشديد على وجوب توفير آليات تحول دون حدوثها، وتقلص إلى أدنى حد إمكانية أن تحمل الأيام أخباراً صعبة أو مؤلمة بسبب تجاوزات لحدود القوانين والأعراف والصلاحيات.
من يعرف السعودية يعرف أن خبر اختفاء الزميل جمال خاشقجي، رحمه الله، كان من قماشة الأخبار المؤلمة لعائلته وأصدقائه ولبلاده. فجمال قبل أن يكون صحافياً وصاحب موقف نقدي أو اعتراضي هو مواطن سعودي. وليس من عادة السعودية أن تغسل يديها من مصير أي من مواطنيها، بغض النظر عن موقفه من هذه المسألة أو تلك. ثم إن الرحابة جزء من أسلوب السعودية في التعامل مع الداخل والخارج معاً. ومن تابع أخبار السعودية في العقدين الماضيين يذكر بالتأكيد أن معارضين عادوا من الخارج، واستأنفوا حياتهم الطبيعية في بلادهم، وأن بعض من مارسوا العنف المفرط في الداخل اندمجوا مجدداً في مجتمعهم بعد عملية إعادة تأهيل. وواضح أن السياسة السعودية في الداخل، كما في الخارج، ترتكز على مبادئ الحوار، وتضييق شقة الخلاف، وتكرار البحث عن المشتركات.

بعد الحادثة المؤلمة في قنصليتها في إسطنبول، اتخذت السعودية سلسلة من الخطوات لجلاء مصير الزميل خاشقجي، وتبيان ما حدث. أوفدت فريقاً أمنياً للتعاون مع الجانب التركي في تحقيقاته، وفتحت أمام المحققين الأتراك أبواب القنصلية ومنزل القنصل. وفي موازاة ذلك، فتحت تحقيقاً داخلياً، مؤكدة أن ليس لديها ما تخفيه، وأنها ستتصرف في ضوء الحقائق والمعلومات. واستناداً إلى ما أظهرته الخطوات هذه، أعلنت الرياض وفاة خاشقجي، وإعفاء مسؤولين بارزين من مهامهم، وتوقيف 18 شخصاً على ذمة التحقيق. وكان بين من أعفوا ضباط كبار في جهاز الاستخبارات. وأشار بيان رسمي سعودي إلى أن مشاركين في الحادث «حاولوا التكتم والتغطية على ما حدث». وترافق ذلك مع الإعلان عن أن خادم الحرمين الشريفين وجه بتشكيل لجنة وزارية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة في المملكة.

وهذا يعني التعامل مع الحادث المؤلم على قاعدة إحقاق العدالة، ومحاسبة المتورطين والمقصرين، واعتماد الشفافية في إطلاع الرأي العام على ما تتوصل إليه التحقيقات. وفي موازاة ذلك، إعادة هيكلة رئاسة الجهاز، بحيث تتوافر ضوابط صارمة تحول دون تكرار الحادث المؤلم مستقبلاً.
في الفترة الفاصلة بين وقوع الحادث وصدور البيان السعودي ازدحمت الشاشات والمواقع والصحف بالأخبار والإشاعات والسيناريوهات. كان الاهتمام بالحادث طبيعياً بسبب الشخص المعني به، والمكان الذي حصل فيه. وكان من السهل التمييز بين فريقين: الأول مهتم فعلاً بجمال خاشقجي ومصيره، والثاني اعتبر الحادث المؤلم فرصة ذهبية لاستهداف السعودية، وانطلاقاً من حسابات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما حصل في القنصلية السعودية في إسطنبول. ومع الإجراءات التي أعلنتها الرياض، يفترض أن يكون الفريق الأول قد حصل على ما يتطلع إليه، أي التعامل بشفافية مع الحادث المؤلم، والسير حتى النهاية في كشف الملابسات والحقائق، وإطلاع الرأي العام عليها. أما الفريق الذي انطلق منذ البداية آملاً في إضعاف السعودية واستهداف دورها، فإن نهج المحاسبة يزعجه، لأنه كان يتطلع إلى أزمة عميقة في علاقات السعودية الدولية. مشكلة الفريق الثاني أنه يتعمد الخلط بين ملفين. يريد وبأي ثمن أن يساهم اختفاء خاشقجي في صدام بين السعودية ودول كبرى تربطها بها علاقات تحالف أو تعاون، تتضمن أيضاً شبكة واسعة من المصالح. ينسى هذا الفريق أن السعودية اجتازت من قبل امتحانات صعبة في علاقاتها الدولية، بينها على سبيل المثال محاولات استغلال هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 للنيل منها. يتناسى هؤلاء في الوقت نفسه أن جمال خاشقجي نفسه ما كان ليقبل أن يستغل اسمه أو ما تعرض له للنيل من بلاده.
باعتمادها خيار العدالة والمحاسبة، أعادت الرياض ملف الحادث المؤلم إلى سياقه القانوني والقضائي. إنه منطق الدولة والمسؤولية والمؤسسات واستخلاص الدروس وإعادة هيكلة المؤسسات تحت مظلة القانون.

نقلا عن الشرق الاوسط

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحادث المؤلم وخيار المحاسبة الحادث المؤلم وخيار المحاسبة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon