توقيت القاهرة المحلي 13:59:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عبد المهدي وكرة النار العراقية

  مصر اليوم -

عبد المهدي وكرة النار العراقية

بقلم - غسان شربل

قبل شهور قليلة، لم يكن متوقعاً أن يُستدعى عادل عبد المهدي لتشكيل الحكومة العراقية رغم حضوره الطبيعي في نادي السياسيين العراقيين البارزين. والأسباب كثيرة. ساد انطباع أن حزب «الدعوة» الذي فاز بهذا المنصب لفترة طويلة عبر نوري المالكي وبعده حيدر العبادي لن يترك هذا الموقع المفصلي في الدولة العراقية. وثمة من اعتقد أن العبادي هو صاحب الحظ في ولاية جديدة، لأن الانتصار على «داعش» تحقق خلال توليه رئاسة الوزراء. وهناك من رأى أن العبادي يشكل الصيغة المثلى للتعايش بين النفوذ الإيراني والنفوذ الأميركي على أرض العراق.

ولعل عبد المهدي كان مسلّماً بهذه المعطيات. فقبل شهور كتب مقالاً في جريدة «العدالة» التي يشرف عليها ضمّنه اعتذاراً مقدماً عن تولي منصب رئاسة الوزراء لو كُلّف بها. تحدث عبد المهدي عن عدم توافر الشروط الضرورية للنجاح بسبب المحاصصة واللااستقلالية والصراعات وغياب الرؤية والخطة والمنهج. وبدت القراءة واقعية، فالوضع العراقي شديد التعقيد والتوازنات العراقية بالغة الصعوبة. لكن التوازنات التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة والتمزقات القائمة بين المكونات وداخلها شاءت أن تستقر كرة النار بين يدي عبد المهدي بعد انتخاب برهم صالح رئيساً للجمهورية.

لا غرابة أن يتهيب عبد المهدي المهمة الجديدة. فهو شريك في عهد ما بعد صدام حسين ويعرف ملفات هذا العهد وويلات الممارسات التي أضافت إرثاً ثقيلاً إلى الإرث الذي خلّفه عهد صدام. فمن حضوره المبكر في مجلس الحكم إلى توليه وزارة المال ومنصب نائب رئيس الجمهورية وحقيبة النفط، كان عبد المهدي على تماس يومي مع الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تكشف بوضوح أن الذهاب فيها إلى نهايتها يشبه السير في حقل الألغام من دون بوصلة موثوقة.

كان المعارضون العراقيون يحاولون إقناع العالم وإقناع أنفسهم أن مشكلة العراق تختصر في وجود مستبد اسمه صدام حسين. وأن شطب المستبد سيغرق المكونات العراقية في الغرام والوئام. وأن الانتخابات ستفتح الباب لقيام دولة تستحق التسمية ومؤسسات عصرية منتجة تساعد في استرداد المواطن العراقي من مشاعر القهر والتغييب لتشركه في ورشة وطنية تعيد إلى المواطن كرامته وشروط العيش الكريم، وإلى العراق وحدته وموقعه في المنطقة والعالم. وسرعان ما تبين أن القوى السياسية العراقية لم تكن جاهزة للقيام بمهمة بهذا الحجم ومن هذا النوع. أصيب المنتصرون بجشع لا تحتمله عملية إعادة ترميم المعادلة الوطنية، وأصيب الخاسرون بإحباط قاتل عطّل قدرتهم على الانضواء في صيغة تحد من خسائرهم. واستمرت المشكلة حاضرة رغم دورات انتخابية عدة لم تنجح في تلميع صورة العملية السياسية وإنقاذ المؤسسات من هشاشتها.

يدرك عبد المهدي أن العراق يحتاج إلى عملية إعادة إعمار هائلة. لا بد من إعادة إعمار الإرادة الوطنية العراقية كي تسترد البلاد حصانة تفتقدها منذ إسقاط نظام صدام حسين. والطريق الوحيدة لإنجاز هذه المهمة هي إعادة تأهيل معادلة التعايش بين المكونات. إعادة التأهيل على قاعدة المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات بعيداً عن منطق الغلبة وقيام المكون القوي بالاستئثار وانتزاع حق تعيين ممثلين للمكونات الأخرى. لا بد من عودة حقيقية للشراكة الشيعية - السنية في الحياة اليومية وفي القرارات الكبرى أيضاً. ولا بد من إحياء الشراكة العربية - الكردية استناداً إلى روح الدستور ونصوصه. ولو قامت الحكومات المتعاقبة بواجبها في صيانة هذه الشراكة لما انهار الجيش العراقي في الموصل على نحو ما شهدنا، ولما تجددت لغة المواجهة بين بغداد وأربيل.

لا تقل مهمة الحكومة الجديدة عن استرداد العراق واسترداد العراقيين. إعادة تركيز المؤسسات العراقية تحت مظلة الدستور هي المقدمة الضرورية لوقف الاختراقات الخارجية للجسد العراقي. من غير المنطقي أن يبقى العراق أشبه بساحة للتجاذب الإيراني - الأميركي على أرضه. تزداد أهمية هذه الخطوة إذا أخذنا في الاعتبار أن العلاقات بين واشنطن وطهران تتجه إلى فصل جديد ساخن، خصوصاً بعد بدء العقوبات النفطية في الأسبوع الأول من الشهر المقبل. إن السماح باستمرار سياسة تحريك البيادق على الرقعة العراقية ينذر بإلحاق أضرار كبرى بأمن العراق واقتصاده.

لم يعد سراً أن العراق تعرض في حقبة ما بعد صدام إلى عملية نهب غير مسبوقة ضاعفت المشكلات الناجمة أصلاً عن الخسائر التي ألحقتها بالبلاد مغامرات صدام العسكرية. وليس طبيعياً على الإطلاق أن نشهد هذا القدر من الفقر والبطالة وتردي الخدمات في بلاد يفترض أنها عائمة على حقول من النفط. والمهمة ليست سهلة على الإطلاق، فشبكة المصالح التي أسستها سنوات الفساد والفاسدين تضرب جذوراً عميقة في النفوس والمؤسسات. لكن عبد المهدي مطالب بالاستقواء بالمواطنين الذين عانوا الأمرين من غياب الشروط البديهية للعيش، وبينها المياه الصالحة للشرب والكهرباء. لن يستورد عبد المهدي وزراء من كوكب آخر. سيأتي بهم من القوى السياسية، لكنه مطالب بأن يتشدد في رفض الفاسدين الذين يعتبرون الدولة منجماً مباحاً لأبناء عائلاتهم والفريق الذي ينتمون إليه.

يعرف عادل عبد المهدي العراق. ويعرف الرياح التي تلاطمت على أرضه. مر في البعث وغادره. ومر في الشيوعية والماوية وغادر. ومر في الاتجاه الإسلامي عبر «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، وهو الآن في موقع المستقل. جرب الأفكار وجرب العواصم. بعد بغداد أقام في دمشق وبيروت. ثم في باريس وطهران. دراسته الاقتصاد السياسي في فرنسا تؤهله للتعامل مع المشكلات المطروحة على طاولة حكومته. إقامته في كردستان العراق في التسعينات تعينه على تفهم هواجس الأكراد ومشكلاتهم.

يعرف عبد المهدي قصة العراق. كان حاضراً في اللحظات المفصلية. ذات يوم قرر الحاكم المدني بول بريمر إقناع عدد من أعضاء مجلس الحكم أن صفحة صدام قد طويت. واصطحبهم إلى مبنى مطار بغداد. أيقظ الجندي الأميركي صدام الممدد على سريره فرأى نفسه أمام أحمد الجلبي وعدنان الباجة جي وعادل عبد المهدي وموفق الربيعي والجنرال سانشيز قائد القوات الأميركية في العراق. كان صدام مكابراً خلال اللقاء لأنه يقاتل الأميركيين كما قال. ولم تغب العبارات القاسية. قال الربيعي لصدام: «أنت ملعون في الدنيا والآخرة»، فرد عليه: «اسكت يا خائن يا عميل». ربما لم يخطر في بال عبد المهدي يومها أنه سيستدعى ذات يوم لتضميد جروح أكثر من عهد وأن تَسلُّم رئاسة الوزراء في العراق الحالي يشبه تسلم كرة من النار.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبد المهدي وكرة النار العراقية عبد المهدي وكرة النار العراقية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى
  مصر اليوم - نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى

GMT 11:17 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا
  مصر اليوم - رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا

GMT 23:37 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هاريس تتعهد بالعمل على إنهاء الحرب في الشرق الأوسط
  مصر اليوم - هاريس تتعهد بالعمل على إنهاء الحرب في الشرق الأوسط

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 21:04 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

فيسبوك يوسع نطاق خدمة الأخبار المحلية

GMT 03:12 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يعلن عن أسباب تسوس الأسنان

GMT 11:40 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

"زيزو" ينفي وجود أي مفاوضات للتجديد للبدري

GMT 09:34 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الألواح الملوّنة يمكنها توفير %20 من الطاقة للمباني

GMT 13:43 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فلكي مصري يتنبأ بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة

GMT 04:16 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

إيساف ومحمد رشاد يكشفان جديدهما في "سنة تانية غنا"

GMT 02:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عقار جديد لفقدان الوزن بنفس فعالية حمية أتكينز

GMT 07:55 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن محور الحفلة الدولية لـ " Met Gala "

GMT 07:39 2022 السبت ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الخطيب يتابع كولر بحضوره المران للأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon