توقيت القاهرة المحلي 13:59:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حميميم في عصر «هواوي»

  مصر اليوم -

حميميم في عصر «هواوي»

بقلم: غسان شربل

تركه المستشارون مع الليل وابتعدوا. لا يساورهم القلق. لم تقرع الشيخوخة بعد أبوابَ يومياته. لا يزال فتى الكرملين. يصطاد ويسبح ويتزلّج. يغامر ويناور أو يكابر. لكن ما لا يعرفه المستشارون هو أن شيئاً من روائح الخريف يهبُّ على روحه في الليل وقبل حلول الخريف.
لم يدهمه الذعر حين اجتاح الجنرال «كوفيد - 19» بلاده. ثقته بالخلاص الروسي لا تتزعزع. ابتسم بشيء من الشماتة. قال في نفسه إن «كورونا» لن يرجع من مغامرته الروسية بأفضل مما رجع به بونابرت وهتلر. تطربه رؤية الثلج يتراكم على مدافع نابليون المسجاة في حديقة الكرملين. تسكره العروض العسكرية في ذكرى الانتصار على النازية كأنها تعيد تجميع الشظايا السوفياتية في عهدة «الرفيق» الأمين العام.
يكتب المحللون أن وضعه ليس سيئاً. وأنه نجح كملاكم في توجيه ضربات عدة إلى روح الأطلسي والروح الأوروبية وإلى «الثورات الملونة» والانتفاضات «الإخوانية». يكتبون أيضاً أن تدخله في سوريا قبل خمسة أعوام أنقذ نظامها ولم يوقعه في أفغانستان جديدة. لكنه يعرف، أكثر من المحللين، أنه كسب الحرب هناك لكنه لم يصنع السلام، ما يبقي الاستنزاف وارداً ومطروحاً. استنزاف الصورة والهالة وخطر التحول إلى ما يشبه قوة إقليمية تستطيع منع حل، لكنها تعجز عن التفرد في صناعة حل.
لا تملك روسيا حلاً لمشكلة سوريا ولا تشكل سوريا حلاً لمشكلة روسيا.
نجح في إعطاء انطباع أنه حليف موثوق وقادر. لم يعد مصير نظام الأسد مطروحاً على الأقل في الوقت الحاضر. لكن بقاء النظام شيء، وعودة الحياة الطبيعية شيء آخر. يقلقه أن تكون إدارة دونالد ترمب تحاول دفع الوضع السوري إلى «الاهتراء بين أيدي الروس». والاهتراء يعني هنا تعاظم المتاعب الاقتصادية والمعيشية، وتعذر إعادة الإعمار وابتعاد المستثمرين عن المسرح السوري. وترجمة لهذا التوجه سيصبح «قانون قيصر» سارياً بعد أسبوعين ومعه مفاعيله السورية والروسية والإيرانية. العراقيون واللبنانيون أيضاً سيترددون كثيراً أمام سيف العقوبات الأميركي. وربما لرفع معنويات النظام في زحمة التدخلات التركية والإيرانية والاعتداءات الإسرائيلية اختار جعل السفير في دمشق مبعوثاً رئاسياً، وطلب التفاوض مع الحكومة السورية لتوسيع الحضور العسكري الروسي، وتوّج ذلك بتسليم الجيش السوري طائرات من طراز «ميغ 29».
في عالم ما قبل «كورونا» كان مرتاحاً. يمكن القول إنه كان مسروراً من نتائج سياسته في القرم وأوكرانيا وسوريا وإنتاج مزيد من الصواريخ وتلميع صورة «الجيش الأحمر». في عالم ما بعد «كورونا» تتسلل رائحة الخريف من بين أوراق الملفات، على رغم المسافة التي تفصلنا عن إطلالة الخريف.
في الأيام الأخيرة، تزوره شكوك يسارع إلى طردها. هل خاض معاركه في مسارح غير منتجة؟ هل استنزف طاقات بلاده في معارك متوسطة الأهمية؟ هل كان عليه أن يتعلم الدرس من ورثة دينغ هسياو بينغ بدل الانهماك بتضميد الجروح السوفياتية؟ هل كان عليه أن يمتلك شركة رائدة من قماشة «هواوي» بدل المفاخرة بالمرابطة في قاعدة حميميم؟ «فيسبوك» و«هواوي» و«علي بابا» هي حاملات الطائرات الحقيقية في عالم الثورة الصناعية الرابعة. لا يكفي أبداً أن تخيف العالم بترسانتك. عليك أن تبهره باقتصادك. وبتوظيف التقدم التكنولوجي في طرد الفقر من البيوت والأرياف ومدن الصفيح.
يتمشَّى في ليل الكرملين. يخشى أن يكون خاض سباقاته في الحلبات الخطأ. وأن يكتب التاريخ لاحقاً أنه لم يستطع التخلص من ثياب الضابط السوفياتي للحاق بالعصر. يهمه التاريخ. يقلقه التاريخ. يخشى أن يعاقبه أستاذه يوري أندروبوف، لأنه لم ينجح في الاحتفاظ بالمقعد السوفياتي في عالم المعسكرين. يخشى من غضب ستالين لأنَّ ورثة ماو تفوقوا على ورثته.
بعد عقدين من الإقامة في الكرملين يفكر كثيراً في المستشارين خصوصاً بعد ذهابهم منهكين إلى منازلهم وزوجاتهم. يبتسم. ما أصعب مهمتهم. ما أقسى أن يرتبط مصيرك بمصير غيرك. وأن يرتبط مزاجك بمزاج غيرك. الاقتراب من الضوء الساطع ممتع. يمني بالأوسمة وينذر بالاحتراق. هل يعقل أن المستشارين لا يعرفون معنى جولة «كورونا» التي يتخبط العالم في حبائلها؟ وهل يعقل أنهم لا يدركون معنى المعارك القاسية التي تطل برأسها؟ وهل يمكن تصديق أنهم لا يدركون أن مجلس إدارة العالم أصيب بخريف مبكر؟ وأن مصير الجولة الصينية - الأميركية المفتوحة سيحدد توزيع المقاعد في مجلس الإدارة الجديد؟
أغلب الظن أن المستشارين يعرفون لكنهم لا يقولون. يبتسم بوتين. ما أصعب أن تصارح الرئيس. ما أقسى أن تدسَّ الخيبة بين ضلوعه. وماذا تراه سيفعل لو قال له المستشار إن العالم بأسره يتفرج على حفلة الملاكمة التي أطلقها «كورونا» بين دونالد ترمب وشي جينبينغ. حفلة حاسمة بين الجنرال الأميركي والإمبراطور الصيني. وأن القيصر الروسي مدعو إلى الحضور لكن كمتفرج، بعدما خسر حقه في المبارزة طمعاً بالموقع الأول أو الثاني.
ينتابه شعور أن دولاً كثيرة باتت تنتظر نتائج الانتخابات الأميركية في الخريف المقبل. تحلم بكين أن ترى ترمب يغادر المكتب البيضاوي. تصرف دائماً وكأن «الخطر الصيني» حاضر في صحنه. في هذا السياق كانت عبارات العتب والتغريدات والإجراءات والرسوم على السلع والتحذيرات من الحرب التجارية. اتخذت التطورات بعداً آخر حين نزع الجنرال «كوفيد - 19» ورقة التين عن العلاقات الصينية - الأميركية.
كشف «كورونا» الستائر. معركة طويلة ومكلفة لإعادة صياغة مجلس ادارة العالم الذي أصيب بخريف مبكر. ستكون المعركة باهظة ومتعددة الساحات. ستصاب بلدان وتنزف شركات. وبانتظار النتائج يلاحظ في الصف الأول من المتفرجين قيصر الكرملين والمستشارة الألمانية وفتى الإليزيه والمصارع المؤتمن على 10 داونينغ ستريت.
يغضب بوتين من المشهد الذي يلوح بالمجيء. يقلقه التاريخ. روسيا بلاد قارسة تتذكر كُتاب الروايات وتنسى قياصرة الكرملين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حميميم في عصر «هواوي» حميميم في عصر «هواوي»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى
  مصر اليوم - نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى

GMT 11:17 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا
  مصر اليوم - رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 21:04 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

فيسبوك يوسع نطاق خدمة الأخبار المحلية

GMT 03:12 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يعلن عن أسباب تسوس الأسنان

GMT 11:40 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

"زيزو" ينفي وجود أي مفاوضات للتجديد للبدري

GMT 09:34 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الألواح الملوّنة يمكنها توفير %20 من الطاقة للمباني

GMT 13:43 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فلكي مصري يتنبأ بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة

GMT 04:16 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

إيساف ومحمد رشاد يكشفان جديدهما في "سنة تانية غنا"

GMT 02:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عقار جديد لفقدان الوزن بنفس فعالية حمية أتكينز

GMT 07:55 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن محور الحفلة الدولية لـ " Met Gala "
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon