توقيت القاهرة المحلي 17:55:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دم دوغين وجروح بوتين

  مصر اليوم -

دم دوغين وجروح بوتين

بقام - غسان شربل

من حق المفكر الروسي ألكسندر دوغين أن يفجع بجريمة اغتيال ابنته. قتل الأبناء أفظع عقاب يمكن إنزاله بالآباء. قتل الأبناء جرح يعجز عن تبريده أشهر أطباء التاريخ، واسمه الوقت. لهذا القتل طعم اغتيال المستقبل. ويضاعف من المرارات أن يكون الابن قُتل نيابة عن والده. وبسبب أفكاره وسياساته. وشعور الوالد بأنه كان المستهدف الحقيقي، وبأن الحظ أنقذه من الموت؛ لكنه عجز عن إنقاذه من العذابات.
واضح أن القاتل أراد استخدام دم دوغين لإيفاد رسالة موجعة إلى والد روسيا الجديدة الوافدة من رحم الحرب الروسية في أوكرانيا. والرسالة بالغة الخطورة. إنها ضربة مؤلمة تحت الحزام. ولنا أن نتخيل حجم الغضب الذي اكتسح وجه فلاديمير بوتين حين أُبلغ بالجريمة، وبوقوعها في منطقة موسكو بالذات. مجرد حصول الاغتيال يعني أن جهة ما قررت اجتياز كل الخطوط الحمراء، ونقل المواجهة إلى مرحلة أشد هولاً.
طرح الحادث مجموعة من الأسئلة الصعبة. من هي الجهة التي تقف وراءه؟ هل قررت جهة من المعارضة الداخلية إطلاق جولة حياة أو موت في مواجهة الرجل الممسك بالقرار وبكل الخيوط؟ هل لعب جهاز استخبارات خارجي دوراً في تسديد ضربة إلى هالة سيد البلاد؟ وأي جهاز يجرؤ على نقل المواجهة إلى هذا المستوى مع الزعيم الوافد من صفوف «كي جي بي»؟ ومن القادر على تحمل رد بحجم هذه الصفعة أو أشد؟ ومن هي الجهات القادرة على اختراق مظلة الأمن الصارمة المنصوبة حول البلاد المترامية، وخصوصاً حول عاصمتها والمناطق المحيطة بها؟ ومن يضمن أن من خطط لاستهداف دوغين لن يخطط لاستهداف مسؤول رفيع في البلاد؟ طبعاً لن يغيب أصحاب نظرية المؤامرة عن الموضوع. سيلمِّحون إلى أن الحادث -على الرغم من خطورته- قد يكون «صناعة محلية» ومن إنتاج جهاز يريد إشعار الروس بأن بلادهم في خطر فعلي، وأن عليهم الالتفاف حول السلطات التي أرسلت الجيش إلى أوكرانيا لإحباط مؤامرة وإبعاد الأخطار.
أما إذا اتهمت موسكو كييف بالوقوف وراء الحادث، فهذا يعني أن العقاب الشديد آتٍ، وأن على الرئيس فلوديمير زيلينسكي أن يتحسس أيامه؛ خصوصاً بعدما تردد من أن أجهزة الأمن الأوكرانية أحبطت حتى الآن أكثر من خطة كانت معدة لشطبه من المعادلة.
استهداف دوغين عمل خطر؛ نظراً لرنة اسم الرجل في بلاده. لن أنضم إلى من يسمونه «عقل بوتين»؛ لكن الأكيد هو أن الرجل ترك بصماته على الرأي العام في بلاده، وربما على سياسة الرئيس نفسها؛ لا سيما لجهة العداء للغرب وليبراليته، وما يعتبره تدهور القيم فيه، ولجهة المصير الأوراسي لروسيا، وعدم اعترافه بالخرائط؛ خصوصاً تلك التي وُلدت من انهيار الاتحاد السوفياتي.
أخطر من حادثة الاغتيال شعور متزايد بأن مصير العالم بات معلقاً على ما يدور في رأس رجل واحد. الكلام المتكرر عن شروط اللجوء إلى السلاح النووي، والإعلان بلهجة الانتصار عن إنتاج أجيال جديدة من الصواريخ غير المسبوقة، يشكلان سبباً مقنعاً لإشاعة القلق.
رجل واحد بجروح كثيرة. أصيب بوتين بالجرح الأول حين طُلب منه إتلاف ما بحوزته من وثائق ومغادرة ألمانيا الشرقية؛ لأن جدار برلين يتداعى. ولم يكن الأمر بسيطاً، فما انهار كان حدود الإمبراطورية والسد الذي كان يحميها من جاذبية النموذج الغربي الذي يتبارى في كراهيته دوغين وبوتين.
وجاء الجرح الثاني حين انتحر الاتحاد السوفياتي، وشاهد بوتين بأم العين الجمهوريات تتسابق إلى القفز من القطار السوفياتي، تغسل أيديها من تاريخه. ولم يكن أمام الضابط الذي عاد إلى مقر الاستخبارات في موسكو غير وضع عمليات الفرار هذه تحت لافتة الخيانة. وجاء الجرح الثالث حين بدت روسيا يلتسين فقيرة ومترددة وهشة، واستحق السفير الأميركي فيها لقب «الرجل القوي» في بلاد ضعيفة.
توالت الجروح في روح بوتين. كان يشعر بالمرارة كلما انضمت «دولة خائنة» إلى حلف «الناتو» الذي راح يقترب من حدود «روسيا المقدسة». وتدخل في باب الجروح أيضاً مشاهد الدبابات السوفياتية تحترق في العراق وليبيا بنيران أميركية أو أطلسية، ورؤية الحلفاء السابقين لموسكو يتصرفون كالأيتام على مائدة الانتصار الغربي.
تراكمت الجروح في روح المحارب السوفياتي. كثيرون في المؤسسة العسكرية والأمنية وفي الكنيسة والأوساط الجامعية خافوا على روسيا نفسها.
كان دوغين بين هؤلاء الذين أصيبوا بالذعر، وراحوا ينظرون للثأر الكبير. كانت الحرب في أوكرانيا فرصة هؤلاء للاحتفال بالانقلاب الهائل. سارع دوغين إلى الدعوة إلى ضم أوكرانيا بكاملها؛ خصوصاً بعد انضمام بوتين إلى المنادين بأنها دولة مخترَعة أو مرتجَلة. لكن حرب أوكرانيا طالت، وثمة من يعتقد أنها تتسبب في مزيد من الجروح لبوتين وأشباه دوغين.
هالة الجيش الروسي الذي أعاد بوتين ترميم روحه وقدراته، دفعت كثيرين إلى الاعتقاد بأن الحرب ستكون خاطفة. هناك من يتحدث في هذا السياق عن فشل استخباراتي مريع. يقال إن أجهزة روسية توقعت أن يتداعى النظام الأوكراني سريعاً. وأن ينحني زيلينسكي ويتوارى. وأن تسقط كييف في يد الجيش الروسي، أو أن تنتقل سريعاً إلى كنف رجل موالٍ لموسكو، يضمن خضوعها ويشتري سلامتها.
بعد ستة أشهر من اندلاعها، تبدو الحرب مكلفة وطويلة. الضربات الأخيرة التي أعادت ربط القرم بالنزاع الروسي- الأوكراني أضافت بالتأكيد جرحاً جديداً، سبقه جرح إغراق البارجة الروسية «موسكفا». عمليات المقاومة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الروسي تعطي للمواجهة بعداً آخر. ضاعفت الأسلحة الغربية قدرة الجيش الأوكراني على الصمود، وساعدته في استهداف أماكن كانت بعيدة عن مرماه. جرح إضافي يحدثه كلام خبراء غربيين، ومفاده أن الجيش الروسي العاجز عن سحق الجيش الأوكراني لا يستطيع خوض مواجهة مباشرة مع «الناتو». ومع الجرح كلام أن بوتين الهارب من الهيمنة الأميركية أوقع بلاده في التبعية للعملاق الصيني.
هل يراهن بوتين على الشتاء الأوروبي القارس لإرغام العالم على القبول بتسوية تسمح له بالحديث عن انتصار؟ وهل يتمسك اليوم باستكمال الانقلاب الكبير أم سيقبل بمخرج لائق؟ شعور بوتين بالانتصار خطر. شعوره بالهزيمة سيكون أشد خطورة. ارتبط مصير العالم بما يدور في رأس رجل واحد. وعلى العالم أن يدفع ثمن دم دوغين وجروح بوتين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دم دوغين وجروح بوتين دم دوغين وجروح بوتين



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:15 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
  مصر اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب
  مصر اليوم - دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 11:57 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يكشف سبب تصميمه على كتابة أغانيه
  مصر اليوم - تامر حسني يكشف سبب تصميمه على كتابة أغانيه

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 10:03 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة عمل الفاصوليا البيضاء

GMT 04:45 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن المصري يكشف حقيقة اختطاف فتاة في منطقة "المعادي"

GMT 10:07 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الصحة: تسجيل 106 إصابات جديدة بـ كورونا و12 وفاة

GMT 11:56 2020 الخميس ,13 آب / أغسطس

7 أشكال غريبة لرفوف الكتب تعرفي عليها

GMT 17:04 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

مستشار الرئاسة التركية ياسين أقطاي يوجه رسالة إلى مصر

GMT 08:00 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سيات أتيكا 2020 في مصر رسميًا

GMT 03:29 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

داليا مصطفى تتعرَّض لعملية نصب وتُحذِّر الفنانين

GMT 08:30 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

تصميمات "الفيونكة" تزيّن مجوهرات العروس في 2019

GMT 17:44 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

بلاغ ضد هالة صدقي بسبب فيديو "حثالة المجتمع"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon