توقيت القاهرة المحلي 06:44:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوريا ورسائل مبلَّلَةٌ بالدَّم

  مصر اليوم -

سوريا ورسائل مبلَّلَةٌ بالدَّم

بقلم: غسان شربل

استولَى الهلعُ من فيروس «كورونا» على سكان «القرية الكونية» واحتلَّ الصدارة في اهتمامات زعمائها وحكوماتها. رجلان بَقِيَا خارج هذه المعادلة الجديدة. الأول فلاديمير بوتين، والثاني رجب طيب إردوغان. في مكتبيهما تقدَّمت نار المواجهات في إدلب على كل ما عداها. تحولت الاحتكاكات الدموية بين الجيشين التركي والسوري إلى امتحان صعب لعلاقة الرئيسين التركي والروسي. امتحان للهيبة والصورة والقدرة على حماية المصالح.
أقسَى الاختبارات هي تلك التي لا تستطيع الأطراف المنخرطة فيها التراجع وقبول الخسارة. يواصل بوتين في سوريا سياسة حاسمة تقوم على تمكين نظام الرئيس بشار الأسد من استعادة كامل التراب السوري. لم يظهر قلقاً من المشاهد التي تعيد التذكير بـ«الحل» الذي فرضه في غروزني. أي العنف الأقصى للوصول إلى الانتصار الكامل. لكن سوريا ليست الشيشان. ربَّما لهذا السبب فضَّل بوتين سياسة القضم التدريجي على التهام الوجبة الساخنة دفعة واحدة. استراحات آستانة وسوتشي كانت مجرد هدنات لالتقاط الأنفاس، ثم استكمال البرنامج الروسي بلا تغيير.
أغلب الظن أن بوتين كانَ يأمل استكمال البرنامج بلا عثرات كبرى، خصوصاً أنَّه يضعه تحت عنوان «محاربة الإرهابيين المتحصنين في إدلب». علَّمته السنوات الماضية أنَّ أميركا لا تريد الانخراط في النزاع السوري. وأنَّ أوروبا قارة هرمة تدبج البيانات لتخفف من عذاب الضمير. وأنَّ حلف «الناتو» فقد شهية الاشتباك خارج الملعب الأوروبي. وأنَّ بيانات أعضاء مجلس الأمن تُشبه دموعَ الأرملة التي لا تُعيد الفقيد.
استلزمت سياسة القضم مجموعة إجراءات. تعطيل دور مجلس الأمن في الأزمة السورية بإشهار سيف «الفيتو»، وغالباً ما انضمت الصين إلى الموقف الروسي. تحييد إسرائيل عبر السماح لها بشن حرب ضد البنية العسكرية الإيرانية على الأرض السورية وإقامة علاقة دافئة مع بنيامين نتنياهو. استلزمت أيضاً تطويع الموقف التركي بعد إسقاط الطائرة الروسية، ثم التحرك لزرع الشكوك بين أنقرة وحلفائها في حلف الأطلسي. ونجحت سياسة التطويع هذه إلى حد أن تركيا أدخلت صواريخ «إس 400» الروسية إلى ترسانتها الأطلسية، ما أثار قلق أميركا ودول الحلف. وذهب بوتين أبعد من ذلك حين أعطى تركيا الضوء الأخضر للقضاء على «الكيان الكردي» الذي راح يرتسم على الجانب السوري من الحدود.
استخدم سيدُ الكرملين المنصة السورية للقول إنَّ روسيا لم تعد مصابةً بغبار الركام السوفياتي. وإنَّها ليست قوة إقليمية تطوقها بيادق الأطلسي. وإنَّها دولة كبرى استردت أنيابها العسكرية والسياسية والدبلوماسية، على رغم حجم اقتصادها الذي يكاد يوازي حجم الاقتصاد الإيطالي. استخدم المنصة للتأكيد أنَّ أميركا تزداد انسحاباً من المنطقة، وأنَّ أوروبا تفتقر إلى أدوات الدور حتى لو رغبت في القيام به.
لم تكن سوريا حلم بوتين وحده، بل كانت قبل ذلك حلم إردوغان. أنشأ مع رئيسها علاقة تعاون وتبادل، وكان يردد مبتهجاً عبارة «صديقي بشار». ولاجتذاب سوريا المجاورة أرسل إردوغان وزير خارجيته السابق أحمد داود أوغلو 50 مرة إلى مكتب الأسد. مع «الربيع العربي» تغيَّرت الحسابات. فتح إردوغان الحدود أمام المقاتلين الجوَّالين للتسلل إلى الأراضي السورية، فهرعوا إليها من كل حدب وصوب. تضاعفت حاجته إلى انتصار في سوريا بعدما أبعدَ الجيش المصري كأسَ «الإخوان» عن شفتي مصر وروحها. لم تنجح إيران وحدها في إنقاذ النظام السوري، وجاء التدخل العسكري الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015 ليضع حداً للحلم الإردوغاني.
في قصره الشاسع يستقبل إردوغان الليلَ الذي نزل مجبولاً بالسم. جثث الجنود الأتراك تَصِلُ تباعاً. ضربة موجعة يعرف جيداً أنَّها ما كانت لتسدد إلى قواته إلا بمشاركة روسية أو مباركة على الأقل. لن يتَّهمَ روسيا مباشرة لأنَّ الصدام معها يفوق قدرته على الاحتمال. سيتَّهم الجيش السوري، لكن تصريحاته كشفت اعتقاده أنَّ العسل الروسي كان مخلوطاً بالسم. وأنَّ الاتفاقات كانت مجرد هدنات لتمرير سياسة القضم. وأنَّ اهتمام موسكو بإبقاء العلاقات مع أنقرة لا يبلغ حد السماح لها بتأديب قوات الأسد وعرقلة البرنامج الكبير. وتذكَّر أنَّ قواته تقف في الصف المواجه لروسيا في إدلب وكذلك في ليبيا.
دفع جحيم إدلب نحو مليون سوري في اتجاه الحدود التركية. استمرار المعارك ينذر بدفع مليون آخر. وفي موازاة عملية الثأر على الأرض والتي أصابت أيضاً عناصر من «حزب الله» اللبناني، حرَّك إردوغان سلاح اللاجئين في وجه القارة الأوروبية، خصوصاً بعدما تبيَّن أنَّ التضامن الأطلسي محدود، وأن لا رغبة لدى إدارة دونالد ترمب بالوصول في الدعم إلى الشق العسكري المباشر.
انقضى زمن «تصفير المشاكل»، وهذا زمن «تصفير الصداقات». أسلوب إردوغان يكرسُه أستاذاً في سوء التفاهم. لا يتذكَّرُ الصداقات إلا حين تضربه الخيبات. وغالباً ما يكون تأخَّر. هذا حدث حين اتصل «السلطان» بترمب يشكو إليه طعنات «القيصر».
في الليل المبلَّل بدم الجنود يستغرب إردوغان أنْ يتغاضى العالم عن امتلاك إيران القرار «في 4 عواصم عربية» ولا يقر لتركيا بجزء من الكعكة السورية. ثمة سيناريو آخر يؤرقه. يخشى أنْ يغادر ذات يوم قصر الرئاسة التركي، وأنْ يستمر قصر الرئاسة السوري مقيماً في ظل بشار الأسد.
تمرد الجانب التركي على اللعبة التي يديرها الجانب الروسي. أعادَ شيئاً من التدويل إلى الأزمة السورية. لكنَّ تبادل الرسائل المبللة بالدم لن يقودَ إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيشين التركي والروسي. الطرفان محكومان بالتوصل إلى اتفاق جديد تريده أنقرة أوضح وأكثر إلزاماً. وأغلب الظن أنَّ تركيا تريد إقامة طويلة على الأرض السورية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا ورسائل مبلَّلَةٌ بالدَّم سوريا ورسائل مبلَّلَةٌ بالدَّم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon