توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طهران والزائر الياباني

  مصر اليوم -

طهران والزائر الياباني

بقلم: غسان شربل

يُفترض أن تكونَ زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران المقررة بعد غد، علامة مميزة في الجهود الرامية إلى خفض التوتر في الأزمة الإيرانية - الأميركية. وللزيارة خصوصيتها لأسباب كثيرة. إنها المرة الأولى التي يزور فيها رئيس وزراء ياباني إيران منذ الثورة التي شهدتها في 1979. ثم إن الزيارة تتم بتشجيع أميركي واضح وبقبول إيراني صريح تمثّل في تحديد موعد للزائر مع المرشد علي خامنئي صاحب الكلمة الأخيرة في رسم الخيارات الإيرانية الكبرى.
المواقف التي تطلق في مرحلة استكشاف إمكانات التفاوض هي جزء من التفاوض نفسه. ولا غرابة أن تحفل بالإشارات المتناقضة. ولعبة التفاوض صعبة ومعقدة ولا يغيب التضليل عن مراحلها. وستر نقاط الضعف بالمواقف المتشددة والسقوف العالية أسلوب تقليدي في الاستعداد والتذكير بالأوراق. ولإيران تجربة طويلة في هذا الموضوع، إذ إنها كانت في العقود الأربعة الماضية طرفاً في علاقات شائكة ومعقدة، خصوصاً مع الدول الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة.
في الدوائر الدبلوماسية همس مفاده أن إيران مضطرة إلى إبداء قدر من المرونة، إذا أرادت فعلاً اختصار عمر الأزمة والخروج من «العقوبات الموجعة» التي ظهرت آثارها بوضوح على اقتصادها ويوميات عيش مواطنيها. ويشير دبلوماسيون إلى أن طهران قد تكون مستعدة لإبداء قدر من المرونة في مسائل محددة من نوع إيصال أسلحة الدمار الشامل، أي ما يتعلق بمدى الصواريخ الباليستية. ويميل هؤلاء إلى القول إن إيران التي أظهرت دائماً اهتماماً بالمحافظة على العلاقات مع دولة بثقل اليابان الاقتصادي والتكنولوجي ربما ستتحاشى اتخاذ مواقف قاطعة ونهائية تؤدي إلى فشل الزيارة وتعزيز موقف المتشددين في الإدارة الأميركية.
في المقابل، تبدي طوكيو اهتماماً كبيراً بالخروج بشيء يشبه الثقب في جدار الأزمة الحالية. وهذا الموقف يمكن فهمه في ضوء الأهمية التي توليها طوكيو للمحافظة على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تشكل مصدر 90 في المائة من وارداتها من الطاقة. استقرار الشرق الأوسط بند ثابت في تعامل طوكيو مع المنطقة، وهي تلتقي في هذا الطلب مع الصين المعنية هي الأخرى بهذا الاستقرار الحيوي لاقتصادها.
يمكن القول إن آبي، ورغم الطابع شديد التعقيد للأزمة، يجد ما يمكن الانطلاق منه للبحث. فبعد الإجراءات العسكرية التي اتخذتها في المنطقة، حرصت واشنطن على التأكيد أنها لا تسعى إلى الحرب، وأنها تفضل خيار التفاوض إذا أظهرت طهران الجدية اللازمة، وأنها لا ترغب في تغيير النظام، بل تعديل سلوكه. وبدورها، قالت طهران إنها لا تسعى إلى الحرب وهي بالتأكيد تعي الأثمان التي يمكن أن تترتب على مواجهة مباشرة مع الآلة العسكرية الأميركية. وبين المراقبين من يعتقد أن خيار التحرشات الصغيرة أو الضربات بالواسطة ليس متاحاً لإيران في الأزمة الحالية، خصوصاً بعدما تسلَّمت تحذيرات صارمة من الجانب الأميركي. وخيار التسبب بحرب بديلة في المنطقة يبدو صعباً هو الآخر لأنه سيشكل دليلاً على أن الاتهامات الأميركية لإيران بتحريك أذرعها في المنطقة تنطلق من قراءة واقعية.
قبل أربعة أيام من وصول آبي، حدَّد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ما اعتبره شروط نجاح مهمة الزائر. وقال الناطق باسم المجلس كيوان خسروي إن «عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وتعويض خسائر إيران ورفع العقوبات الدولية التي فرضتها واشنطن من الممكن أن تضمن النجاح». وحرص خسروي في الوقت نفسه على الإشادة بالعلاقات بين طهران وطوكيو. وقال إنها «شهدت مساراً متوازناً في غالب الأوقات» وإن «نهج اليابان في السياسة الخارجية يدعم بشكل أساسي المعايير القانونية والسياسية التي يتبعها المجتمع الدولي، ولم تتأثر بتقدم وتأخر التطرف». وإذا كان الجزء الأخير من الكلام يؤكد اهتمام إيران بالقناة اليابانية، فإن الحديث عن شروط نجاح الزيارة يندرج في باب السقوف العالية. فلو كانت واشنطن مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي لما كانت هناك أزمة أصلاً.
كلام المتحدث باسم مجلس الأمن القومي ترافق مع كلام لوزير النفط الإيراني بيجن زنغنه أقر فيه بـ«بلوغ» الولايات المتحدة مرحلة النضج في وضع العقوبات الذكية على بلاده. وقال إن العقوبات الأميركية «مختلفة ومؤثرة» عن العقوبات السابقة، مشدداً على أن وزارته «تكافح» من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية وتخطي الظروف الحالية. واعترف أن قسوة العقوبات لم تقتصر على النفط، بل أصبحت أكثر شدة على قطاع النقل البحري والبنوك.
وفي سياق غابة الإشارات الوافدة من طهران، وعشية زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لطهران اليوم، صعّد وزير الخارجية محمد جواد ظريف لهجته ضد الأوروبيين، ودعاهم إلى تطبيع علاقاتهم التجارية مع بلاده، ملوحاً بعواقب إن لم يفعلوا. وبدوره، حمل رئيس البرلمان علي لاريجاني على تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون خلال لقائه مع نظيره الأميركي ووصفها بأنها «مخزية». وكان ماكرون تحدث عن ضرورة الوصول إلى «يقين كامل على المدى الطويل بالحد من النشاط الباليستي واحتواء إيران إقليمياً».
ولعل العبارة الأخيرة لماكرون هي المشكلة والمفتاح. بخروجه من الاتفاق النووي وفرضه عقوبات غير مسبوقة على إيران، أعاد دونالد ترمب طرح المسألة التي كانت طهران نجحت في إبقائها خارج التفاوض مع إدارة باراك أوباما، وهي مسألة الدور الإقليمي والصواريخ الباليستية. وثمة من يقول إن ظريف كان لمَّح لنظيره الأميركي إبان المفاوضات التي انتهت بتوقيع الاتفاق النووي إلى أن موضوع الصواريخ والدور الإقليمي قابل للبحث لاحقاً. لكن المرشد سارع إلى إقفال هذا الباب بعد توقيع الاتفاق.
وسط الشكوك العميقة بين طرفي الأزمة وتناقض الرسائل والإشارات سيصل آبي إلى طهران آملاً في تبريد الأزمة وفتح كوة في الجدار. والخيارات ليست سهلة أمام إيران. انتظار نهاية عهد ترمب ليس خياراً مضموناً خصوصاً في ظل قسوة العقوبات واحتمال فوزه بولاية ثانية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طهران والزائر الياباني طهران والزائر الياباني



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon