توقيت القاهرة المحلي 13:59:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العهد والحكومة والحزب ورسائل الخيبة

  مصر اليوم -

العهد والحكومة والحزب ورسائل الخيبة

بقلم: غسان شربل

فاجأ اللبنانيون الطبقة السياسية الفاسدة الممسكة بأعناقهم والتي ذهبت بعيداً في سياسات الاحتقار والإفقار. تدفقوا إلى الشارع في كل المناطق ومن كل الطوائف. وهذا المشهد غير مألوف منذ عقود. كشفوا تآكل شعبية الحكومة والحكم وأحدثوا جروحاً في هيبة الأحزاب الممسكة بشوارع المناطق. وهو مشهد مؤلم للرئيس سعد الحريري الذي كانت الجموع توافيه حين يناديها. والأمر نفسه بالنسبة إلى الرئيس ميشال عون. كل من الرئيسين يعرف أن أكثر الرسائل إيلاماً جاءته من منطقته وشارعه.
إنها موجة عاتية من الغضب ضاعفها شعور اللبنانيين بعدم جدية الحكومة والحكم في التصدي للانهيار الاقتصادي المقترب والذي يهدد لقمة أطفالهم وفرص التعليم والعمل ويدفع بمزيد من اللبنانيين إلى طريق الهجرة. لم يعد اللبنانيون في وارد تصديق أسطوانة الحكومة والحكم عن محاربة الفساد ومعالجة التدهور الاقتصادي. ضربت السنوات الأخيرة مصداقية العهد والحكومة معاً. كان هدير الشوارع واضحاً وهو أوفد رسائل الخيبة باتجاه ساكن السراي الحكومي وساكن قصر بعبدا. هذا من دون أن ننسى أن الرجلين دخلا المقرين استناداً إلى شرعية انتخابية وموقع مميز لكل منهما داخل طائفته.
بعد موجة الغضب التي تجتاح لبنان يقف عهد عون أمام منعطف كبير. وتاريخ الجنرال يثبت أنه كان لا يخشى المنعطفات والانعطافات حتى ولو استلزمت تخطي التفويض الشعبي أو الدستوري الممنوح له. وأمام المنعطف الحالي من واجب الجنرال أن يقرأ ويسمع.
أتمنى أن يتسع صدر الرئيس لحقيقة كشفتها تجربة السنوات الثلاث الماضية التي شكلت النصف الأول من عهده. وهي أن بعض رجال القصر هم من أضعفوا القصر وأن بعض رموز العهد هم من أضعفوا العهد. أنا لا أتهمهم بتعمد ذلك لكنني أضع سلوكهم في خانة قلة الخبرة أو الغرور أو التملق.
يعرف الجنرال أن سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع قبلوه رئيساً بعدما فرض «حزب الله» معادلة: لا رئيس إلا إذا كان عون. وبعدما بقيت الجمهورية طويلاً مقطوعة الرأس. تناسى الحريري مواقفكم من والده والمحكمة والاغتيالات وإسقاط حكومته وأيدكم. وتناسى جنبلاط فصول معارك سوق الغرب ومدافعها وأيَّدكم. وتناسى جعجع «حرب الإلغاء» ومدافعها وأيَّدكم. ومن حق أي لبناني أن يسأل أين مصلحة العهد في إظهار الحريري مهيض الجناح مستضعفاً أمام جمهوره وطائفته؟ وأين مصلحة العهد في استعداء جمهور جنبلاط وإعادة فتح جروح الجبل وهز المصالحة فيه لأن «التيار» لم يكن من أبرمها؟ وأين مصلحة العهد في التعامل مع وجود جعجع في الحكومة والشارع وكأنه ورم خبيث يجب استئصاله؟ أنا لا أقول إن الثلاثة من صنف الملائكة، وأعرفهم كما أعرفك، لكنني أسأل عن مصلحة عهدك ومصلحة اللبنانيين.
واضح أن العهد أخطأ في التعامل مع القوى التي شاركت فيه آتية من ركام تجمع «14 آذار». وواضح أيضاً أن الحريري أخطأ حين لم ينطلق في رحلته مع العهد من قاعدة أصلب وأوضح وأكثر توازناً خصوصاً أنه يدرك أن الانهيار يقرع الباب. وكان باستطاعة الحريري أن يفيد من حاجة العهد الملحة إليه لتفادي الانهيار الاقتصادي الكامل. وكان باستطاعته أن يدير العلاقات على نحو أفضل مع حلفائه السابقين لضمان شيء من شبه التوازن.
طرف ثالث يفترض أن يقرأ مشهد الساحات المكتظة بالمحتجين وهو «حزب الله». لقد حمّل الحزب لبنان في الأعوام الأخيرة ما يفوق قدرته على الاحتمال سياسياً واقتصادياً. خصوم الحزب سلموا له بدور كبير وفاعل ومؤثر لكن أكثر من نصف اللبنانيين لا يسلمون له بحق احتكار القرار الوطني وفرض أسلوبه ومنهجه على حياة كل اللبنانيين. لا يحق للحزب وضع اللبنانيين دائماً أمام خيار وحيد وكأن إرادته فوق المؤسسات وكلمته لا ترد.
لا بد من الاستماع إلى وجع الناس. إلى الألم الذي دفعهم مع أبنائهم إلى الساحات لإشهار خيبتهم من أهل القرار أو من يفترض أن يكونوه. على الحكومة والحكم التحرك سريعاً لإقناع الناس بأن الخطوات التي أعلنها الحريري أمس ليست مجرد حبوب مؤقتة لتهدئة الشارع. وعلى الحراك الشعبي أن يبلور برنامجاً يتضمن مطالب واضحة وممكنة وخطة تحرُّك فاعلة تمنحه القدرة على ممارسة حق الرقابة الشعبية الدائمة على سلوك الحكومة والحكم في المرحلة المقبلة.
تدفق اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق دفاعاً عن لقمة العيش وفرص التعليم والعمل والحرية والكرامة يكشف الحاجة العميقة إلى قيام دولة تستحق التسمية. وفي معركة معقدة من هذا النوع بفعل تركيبة الداخل وتمزقات الإقليم، لا بد من الصبر والحذر والتحلي بالمسؤولية في موازاة الشجاعة.
لا خيار أمام عون غير استخلاص العبر من هذه الانتفاضة الواسعة الممتدة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال. لا بد للحريري أيضاً من الخروج بالاستنتاجات اللازمة. استعادة ثقة الناس تستلزم جراحات لا مراهم تجميل. والخوف هو أن يكون تحرك الشارع تخطى المعالجات المحدودة المتأخرة. غضبة اللبنانيين صريحة في الداخل والخارج. على الحكم والحكومة تجرع سمَّ التنازل لإرادة الناس لأن كلّ رهان آخر معروف النتائج والعواقب. إننا أمام فصل جديد مختلف في حياة لبنان. لا يمكن الذهاب إلى المستقبل بشبه دولة مستباحة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العهد والحكومة والحزب ورسائل الخيبة العهد والحكومة والحزب ورسائل الخيبة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى
  مصر اليوم - نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى

GMT 11:17 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا
  مصر اليوم - رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 21:04 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

فيسبوك يوسع نطاق خدمة الأخبار المحلية

GMT 03:12 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يعلن عن أسباب تسوس الأسنان

GMT 11:40 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

"زيزو" ينفي وجود أي مفاوضات للتجديد للبدري

GMT 09:34 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الألواح الملوّنة يمكنها توفير %20 من الطاقة للمباني

GMT 13:43 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فلكي مصري يتنبأ بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة

GMT 04:16 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

إيساف ومحمد رشاد يكشفان جديدهما في "سنة تانية غنا"

GMT 02:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عقار جديد لفقدان الوزن بنفس فعالية حمية أتكينز

GMT 07:55 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن محور الحفلة الدولية لـ " Met Gala "
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon