توقيت القاهرة المحلي 05:36:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفريقيا... احذر الحرس الجمهوري

  مصر اليوم -

أفريقيا احذر الحرس الجمهوري

بقلم - غسان شربل

من حق الرئيس أن يُبحرَ في نومٍ عميق. ماذا يريد الشعبُ أكثر؟ ألقَى بنفسه في النار من أجل إنقاذه. يحرق أيامَه لينيرَ له الطريق. دعك من أحقادِ الصحافيين والمغردين. ومن لعاب المعارضين الذي لا همَّ لهم غير الانقضاض على الوليمة. ومن معدلات الفقر والبطالةِ والأمية. ومن الحديثِ خلف الستائر عن الأموال المنهوبة والمهدورة. وعن أرصدة الحاشية في المصارف البعيدة. وأنينِ السجناء في المعتقلات. ودعك خصوصاً من الدستور. موظف جبان. إذا ارتكبَ خطيئة رسم حد لإقامة الرئيس يسارع إلى الانحناء ويجعلها مفتوحة على مصراعيها. ولا تتوقَّف طويلاً عند هذه الملاحظات التي يدبّجها السفراء إلى رؤسائهم في الغرب عن الانتهاكات لحقوق الإنسان ونقص الشفافية وتوظيف القضاء للقضاء على المعارضين. الديمقراطية نبتةٌ غربية لا تعيش إلا في ترابها. نحن تناسبُنا العقاقيرُ المأخوذة من رحم مجتمعاتِنا بأمراضها وتقاليدها وأعرافها.

من حقّه أن ينام. مصيره في أيدٍ أمينة. الحرسُ الجمهوري مضمونٌ. قائده من لحمِ النظام. من منطقة القائد وإثنيته ومجموعتِه. تم اختيارُ مساعديه بعناية وهناك من يحصي أنفاسَهم. الحرس ليس مجردَ حرس. إنَّه قوةٌ ضاربة. وفَّرنا له أحدثَ الأسلحة. أخضعنا أفرادَه لأفضل أنواع التدريب. فرنسا أو إسرائيل أو «فاغنر». الأسلحة والولاء يجعلان القصرَ قلعة، شوكةً في عيون الحاسدين. ثم إنَّ «القوات الخاصة» مجرد امتداد للحرس ومن فئة الدَّم نفسِها. وهذا يعني أنَّ الإذاعة منيعةٌ و«البيانَ رقم واحد» لن يصدرَ أبداً.

يسرف الرئيسُ في الطمأنينة. ينسى أن رياحَ الخيانة لا تهبُّ عادة من مكان بعيد. وأنَّ الطعنةَ تأتي دائماً من رجل قريب ومكان قريب. من الحرس الجمهوري أو القوات الخاصة. من رجل أمضى سنواتٍ يؤدي التحيةَ ويُقسم أن يبذلَ دمَه دفاعاً عن رئيسه. هذا ما مرَّ في بالي وأنا أتابع مسلسلَ الانقلابات العسكرية في أفريقيا. دائماً هناك كولونيل ينظر إلى ساعته. يعتقد أنَّه المنقذ. وأنَّه يملك حلولاً سحريةً للفقر والبطالة، وصولاً إلى الاحترار المناخي. كولونيل جائعٌ إلى رغيف السلطة.

تذكَّرت ما سمعته من قائدٍ للحرس في العراق. إنَّه الفريق الركن إبراهيم الداود. كانَ الرئيس عبد الرحمن عارف مطمئناً. الحرسُ الجمهوري في يد إبراهيم الذي أقسمَ أكثرَ من مرة على الولاء الكامل لرئيسِه. وحين تلقَّى عارف معلوماتٍ عن تحركاتٍ ضده لم يخفِ طمأنينته. قال: «سيأتيهم إبراهيم». لم يكن يعرف أنَّ إبراهيم هو من فتحَ بابَ القصر في يوليو (تموز) 1968 أمام من اصطفوا على مدخله، وكان بينهم صدام حسين وصلاح عمر العلي وبرزان التكريتي رفاق أحمد حسن البكر.

سألت الداود ذاتَ يومٍ لماذا خان صديقَه فقال إنَّ عبد الرحمن عارف كان رئيساً لكنَّه يتصرَّف كموظف ينظر مراتٍ عدة إلى ساعته للتأكد من اقتراب نهاية الدوام، وشاعت أنباء عن فساد عددٍ من أصدقائه. البعثيون الذين احتاجوا إلى مفتاح الداود لدخول القصر منحوه لقبَ وزير الدفاع، لكنَّهم خانوه قبل نهاية الشهر ودفعوه إلى المنفى.

لنعد إلى أفريقيا. قبل حفنة سنوات كان الاعتقاد السائد أنَّ القارةَ السمراء طلَّقت أسلوبَ الانقلابات العسكرية الذي استشرى فيها بين السبعينات والتسعينات، أي في خضم الحرب الباردة. كُتب الكثيرُ عن الدروس المستفادة من تجاربِ أجيال من العسكريين اجتاحت الإذاعاتِ والقصورَ الرئاسية بشعارات براقة، ثم انتهت على دوي انقلاب آخر أو اضطرابات أو انتفاضات. في السنوات الثلاث الأخيرة عدنا إلى زمن الكولونيلات في أكثر من بلد في غرب أفريقيا ووسطها. وهكذا تابعنا ما حدث في مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر وصولاً إلى الغابون وبعد المرور بتشاد. بدت الأيامُ الأفريقية صعبةً. ثمانية انقلاباتٍ في ثلاثِ سنوات واضطرابات ومرتزقة وإطلالات لـ«داعش» وأشباهه.

تأتي عاصفة الانقلابات هذه في توقيت حرج على الصعيد الدولي. القارة الأوروبية نفسُها ترتجُّ على دوي الحرب الروسية في أوكرانيا. مجلس الأمن معطلٌ عملياً، والمواجهة على أرض أوكرانيا هي في جوهرها مواجهة غربية - روسية حاسمة. يُضاف إلى ذلك أنَّ العلاقات الأميركية - الصينية تشهد أزمةً غير مسبوقة منذ خمسين عاماً حين نجح هنري كيسنجر في «افتتاح» القارةِ الصينية للجمِ شهواتِ الاتحاد السوفياتي. أبرزُ ملامحٍ الضَّعف ظهرت في القارة الأوروبية نفسِها التي سارعت إلى الاحتماء تحت المظلة الأطلسية والسخاء الأميركي لـ«منع بوتين من الانتصار». لم تستطع فرنسا وراثةَ دورِ بريطانيا التي قفزت من المركب الأوروبي، ولم تستطع وراثةَ الدور الألماني بعد غياب أنغيلا ميركل. كشفت الانقلابات في الساحل الفرنسي أنَّ فرنسا لم تعد كما كانت. لم يعد من السهل عليها تَكرارَ ما فعلته سابقاً، يومَ كانت توفد قواتِها لإعادة حاكمٍ صديق خلعه انقلاب.

الواضحُ أنَّ فرنسا لم تنجح في احتواء المشاعر الموروثة في القارة عن حقبة الاستعمار. جدَّد المشاعرَ السلبيةَ إحساسُ الأفارقةِ في دول عدة أنَّ الورقةَ الأهم التي يملكها الحاكمُ هي ورقةُ الدعم الفرنسي له، في مقابل فتحِه الأبوابَ للشركات الفرنسية التي لم تتردَّد في توزيع «هداياها» على أهل القرار. نظر كثيرٌ من الشباب إلى الحكومات المتعاقبة وكأنَّها قناعٌ لسياسة فرنسا في الحصول على خيرات أفريقيا. طبعاً لا يمكن تحميل فرنسا وحدَها المسؤولية. المسؤوليةُ تقعُ بالدرجة الأولى على من تلاعبوا بالدساتير، ورفضوا بناءَ المؤسسات، وتحسينَ فرصِ العمل والتعليم والرعاية الصحية. وخابَ ظنُّ الأفارقةِ من صناديق الاقتراع، لأنَّها غالباً ما تمخَّضت عن نتائج لا تتعدى توفيرَ الغطاء للسياسات القائمة. وعلاوة على ذلك أيقظت بعضُ السياساتِ الفئوية جمرَ النزاعات العرقية والإثنية والجهوية.

أفريقيا قارةٌ شابة. ستكون قبل انتصافِ القرن الحالي عملاقاً سكانياً إلى جانب الصين والهند. ستكون سوقاً هائلة، ويمكن أن تكونَ مصنعاً كبيراً إذا قُيّض للتعليم فيها أن يؤهلَ شبانَها وشاباتِها للانخراط في الإنتاج وفق مقتضيات العصر. وأفريقيا تنام على ثروةٍ من النفط والغاز، وأهم منهما المعادن التي تغري بكين وواشنطن معاً. على أرضِ هذه القارة أربعةُ لاعبين. فرنسا التي يبدو دورُها مرشحاً للتراجع. وروسيا التي قد ينحسر دورُها بفعل حربِها في أوكرانيا. التنافسُ الشديد قد ينحصرُ بين أميركا والصين. وفي ظلّ الوضع الدولي الحالي والفشل الأفريقي الواسع، من حق العالم أن يتوقَّعَ «خياناتٍ» جديدةً من الحرس الجمهوري هنا وهناك. والحرس لاعب؛ مرة إذا بادرَ إلى إطاحة الرئيس ومرة أخرى حين يرفضُ الدفاعَ عنه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفريقيا احذر الحرس الجمهوري أفريقيا احذر الحرس الجمهوري



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon