توقيت القاهرة المحلي 14:42:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«كورونا» في زمن المغردين

  مصر اليوم -

«كورونا» في زمن المغردين

بقلم: غسان شربل

قالَ السّياسيُّ إنَّه لا يتذكَّرُ أنَّ موضوعاً واحداً نجحَ في احتلال الصدارة، وعلى مدى وقت طويل على غرار ما يحققه «كورونا» هذه الأيام. إنَّه الهم الأول للحكومات والشركات والأفراد. إنَّه العنوان الأول على الشاشات والمواقع والصفحات. والشغل الشاغل للعلماء والمختبرات. إنَّها محطة لم يحنْ بعدُ وضعُ رقمٍ نهائيّ لعدد ضحاياها أو حجم خسائرها وآثارها على الاقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة.
تذكر أنَّ العالم حبس أنفاسه في مطلع الستينات حين كادت أزمة الصواريخ الكوبية تضعه على شفير مواجهة نووية بين أميركا والاتحاد السوفياتي. لكن دولاً كثيرة اعتبرت أنَّها غير معنية بأي تبادل للضربات في حال حصوله. التفت العالم بأسره إلى سقوط جدار برلين، لكنَّ دولاً كثيرة اعتبرت نفسها بمنأى عن أي تداعيات لهذا الانهيار الذي أعقبه انهيار الاتحاد السوفياتي. أصيب العالم بساعات أو أيام من القلق حين نقلت «القاعدة» الحرب إلى الأرض الأميركية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. لكنَّ القلقَ سرعان ما انحسر حين خرج العالم من وقع الصدمة. نواجه الآن مشكلة مختلفة في عالم مختلف. إنها المرة الأولى التي نتأكد فيها أن وسائل التواصل الاجتماعي حولت العالم فعلاً إلى «قرية كونية» تترابط مصالح ومصائر أحيائها على رغم الاختلافات بين هذه الأحياء.
لاحظ السياسي أنَّ المشكلة خطرة وشاملة، إذ إنَّها تعني مباشرة نحو 90 دولة سجلت فيها وفيات أو إصابات. ثم إنَّ الفيروس يلحق أفدح الأضرار بأسعار الأسهم والنفط وحركة الاستيراد والتصدير والطيران والصناعة والسياحة. وهذا ما دفع صندوق النقد الدولي إلى الإعلان عن دعم بـ50 مليار دولار للدول المتأثرة، خصوصاً بعدما توقع تراجع النمو العالمي بمعدل 1 في المائة. وصل الأمر إلى الحديث عن أسوأ السيناريوات، وفيها أنَّ خسائر الإنتاج العالمي قد تصل إلى 2.7 تريليون دولار بحلول الربع الأخير من السنة، أي ما يقارب الإنتاج المحلي الإجمالي لبريطانيا.
لم يستبعد أن يكون العالم في طريقه نحو أزمة اقتصادية عالمية جديدة ستترك آثارها بالتأكيد على خطط التنمية، وربما فاقمت مشكلات البطالة، وصحبتها حالات عدم استقرار، خصوصاً في البلدان التي تفتقر إلى مؤسسات حية قادرة على امتصاص الصدمات. لكنَّه شدد على أننا لسنا في الطريق إلى نهاية العالم الذي شهد سابقاً أوبئة حصدت أعداداً هائلة من الضحايا، وتسببت في خسائر اقتصادية كبيرة. وأشاد بالطريقة الحازمة التي تعاملت بها الصين مثلاً مع الفيروس، حين قامت بعزل نحو 56 مليون شخص للحيلولة دون تفشي الفيروس على نحو واسع وإفلاته من أي سيطرة.
لاحظ أنَّ جزءاً من الهلع الذي استولى على كثيرين يعود أساساً إلى استغرابهم أن تنشأ في هذه المرحلة المتقدمة من التقدم العلمي والتكنولوجي مشكلة يعجز العالم عن توفير حل سريع حاسم لها. ورأى أنَّ الجزء الآخر من المشكلة هو طريقة تعاطي الإعلام معها. ففي زمن التسابق الإعلامي المحموم تبحث وسائل الإعلام عن السبق والتفرد واحتلال الموقع الأول، ما يدفعها أحياناً كثيرة إلى الوقوع في الإثارة بحثاً عن قراء ومتصفحين. وهنا على الإعلام أن يتذكَّرَ الشعور بالمسؤولية، ذلك أنَّ المبالغة في إثارة الهلع ترتب نتائج مكلفة على استقرار الناس واقتصادات الدول. وثمة فارق هنا بين نقل الصورة على حقيقتها، وهو ما لا يمكن لأحد أن يجادلَ به، وبين الذهاب بعيداً في الإثارة والتخويف عبر العناوين والتغريدات.
تطوع أحد الحاضرين للمشاركة من منظار آخر. قال إنَّ كل وفاة أو إصابة تشكل خسارة ومدعاة للأسف. لكن علينا أن نتذكَّرَ أن خسائر «كورونا» أقل بكثير حتى الآن من خسائر يتكبدها العالم بفعل النزاعات أو حوادث السير أو إدمان المخدرات. لاحظ أنَّ عدد ضحايا «كورونا» يقل بكثير عن عدد ضحايا تنظيم «داعش» وعن عدد ضحايا مجزرة حلبجة، بفعل استخدام نظام صدام حسين الغازات السامة في الضربة التي وجهت إلى المدينة. قال إنَّ خسائر إيران الحالية تقل عما تكبدته خلال قمع الاحتجاجات الأخيرة، وإن الخسائر العالمية من الفيروس تقل عن حصيلة يوم حار في الحروب السورية. يعرف العالم هذه الحقائق، لكن خوفه الكبير ناتج من الطبيعة الغامضة لهذا القاتل الذي تسلَّلَ إلى كل هذه الخرائط، ومن دون التأكد أنَّ العثور على مصل يحمي من أخطاره وشيك أو قريب. المشكلة أنَّ «كورونا» جاء في زمن المغردين والتسابق على إذاعة نبأ الوفيات والإصابات والخسائر المحتملة.
تحميل الإعلام مسؤولية إثارة الهلع يتضمن قدراً غير قليل من المبالغة. لا شك أنَّ بعض الإعلام يفتقر إلى الضوابط التي لا بدَّ منها في عصر أفلت فيه الإعلام من يد الجهات التي كانت تديره أو تلجمه أو توظفه وتملي عليه رواية وحيدة. لكن الحقيقة تفرض الإقرار أن الإعلام لعب دوراً بارزاً في التنبيه إلى خطورة القاتل الجديد. ولعبت وسائل الإعلام الجادة أيضاً دوراً في حملات التوعية والإرشاد إلى وسائل خفض معدل أخطار الإصابة بالفيروس. وأهم من ذلك كله أنَّ الاهتمام الإعلامي الجارف بـ«كورونا» دفعَ الحكومات إلى تعبئة طاقاتها لتنظيم مواجهة جدية وشاملة للخطر الذي يقضُّ مضاجع المواطنين.
واضح أنَّ وسائل الإعلام تريد أنْ تكون حاضرة بقوة في حدث من هذا النوع. والحقيقة أنَّ حجم المشكلة فرض نفسه على الشاشات وإطلالات المواقع والصحف. نعيش في زمن «كورونا» ولا شيء ينافسه في إثارة القلق والاهتمام والعناوين والتغريدات. المشاهد غير مسبوقة. وسرعة الانتشار كذلك. والخوف من الغموض. والافتقار إلى المصل الحاسم. الحق على «كورونا» وليس على المغردين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كورونا» في زمن المغردين «كورونا» في زمن المغردين



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon