توقيت القاهرة المحلي 13:59:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مقدمات عالم مؤلم

  مصر اليوم -

مقدمات عالم مؤلم

بقلم - غسان شربل

قالَ صديقي: «لا تُضِعْ وقتَك في مطاردة أخبار السياسيين أو محاورتهم. دورُهم في صناعة مستقبل العالم انحسر. لم تعد الكلمةُ للحكومات والترساناتِ والأساطيل. مستقبل العالم يُصنع في المختبرات. لم تعد ثمةَ قيمةٌ للانقلابات والاستيلاء على قصر الرئاسة والإذاعة الرسمية. المعركةُ الحاسمة تدور في أروقةِ التكنولوجيا وفي الثوراتِ العلمية المتلاحقة». وأضاف: «سيغيّر الذكاءُ الاصطناعي كلَّ شيء. في التنميةِ والصحة والتعليم والاقتصاد والخدمات. مَن لا يلتحق بهذه الفتوحات الكبرى سيجلس على قارعةِ الماضي مهما امتلك من الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل. تذكّر جيداً أنَّ ظهور الهاتف الذكي أحدث تغييراً هائلاً في حياة الأفراد والمجتمعات، وهو في النهاية حدث بسيط قياساً على ما سيوفره الذكاء الاصطناعي. لا تخدعنك المشاهد المؤلمة والأخبار السيئة. المخاض طبيعي وسيكون العالمُ أفضل».

أحب التفاؤل والمتفائلين فلولاهم لجلس الناس تحت ركام يأسهم وخيباتهم. وأظهرت التجاربُ أنَّ التكنولوجيا وفّرت للناس أضعافَ ما كانوا يحلمون به، وفي مجالات كثيرة بينها الإعلام. وسّعت الحدود والآفاق وضمنت تدفق الأفكار والصور، وأوصلت الصحافيين والكتابَ إلى أماكن بعيدة. لكن مهنة ملاحقة الأخبار تدفعك أحياناً إلى قدر من التشكيك في أنَّنا نتَّجه إلى عالم أفضلَ حين تقرأ أنَّ الجيوش عاكفةٌ حالياً على توظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير قدراتها الحربية، وأنَّ هذه الخبرات ستكون لاحقاً في تصرف الميليشيات والجيوش الجوالة وعصابات الجريمة المنظمة.

استمعت باهتمام إلى أحلام صديقي وعدت إلى العمل. استوقفني خبرٌ طريف لا تنقصه القدرة على الإيلام. طلبت السلطات في كوريا الشمالية من المواطنين أن يفعلوا المستحيل من أجل حماية اللوحات التي تصوّر «سلالة كيم»، وذلك ضمن الاستعدادات لمواجهة الرياح القوية والأمطار الغزيرة المتوقعة ضمن العاصفة الاستوائية المقتربة «خانون». وأوضحت «رودونغ سينمون» الصحيفة الرسمية للحزب الحاكم أنَّ أولوية الشعب يجب أن تكونَ «ضمان سلامة» اللوحات الدعائية للزعيم الحالي كيم جونغ أون، ووالده كيم جونغ إيل وجدّه، مؤسس كوريا الشمالية، كيم إيل سونغ. ووفقاً لموقع «أخبار كوريا الشمالية» فإنَّ صور كيم جونغ أون وكيم إيل سونغ معلقة في كل منزل ومكتب، وإذا دمَّرها شخص، ولو عن طريق الخطأ، قد يواجه حكماً بالإعدام.

ذكرني الخبر بلذة الإقامة في بريطانيا، حيث لا تطالبك الحكومةُ بإنقاذ أي صورة إذا لوّحت عاصفة بالوصول. يمكن قول الشيء نفسه عن الإقامةِ في لبنان رغم تداعيه وانتقاله من قاع إلى قاع. ثم إنّني واثق بأنَّ الزعيم الكوري الشمالي الذي لا يمكن إنكار لمساتِ صواريخه في أنحاء مختلفة من العالم لن يتأخر في استيراد الذكاء الاصطناعي بمختلف الوسائل لوضعه في خدمة ترسانته. جميل أن تستطيع العيشَ في منزلك من دون أن يتمكَّن السيد الرئيس القائد أو جدّه من مراقبة ابتساماتك أو إحصاء أنفاسك.

لسنا في عالم أفضل بالتأكيد. يمكن القول إنَّ وضع كيم جونغ أون أفضلُ ممَّا كان عليه قبل حفنةِ سنوات، حين كان نظامُه يعيش فيما يشبه العزلة. لقد عثر الزعيم المبجّل على دور حيوي في العالم الذي ولد على دوي «العملية العسكرية الخاصة» التي أطلقها الرفيق فلاديمير بوتين على الأراضي الأوكرانية. لقد شاهد العالمُ بأسره قبل أسبوعين الزعيم الكوري الشمالي يحتفل بذكرى الهدنة بين الكوريتين بعرض عسكري لمعت فيه مسيّرات وصواريخ باليستية عابرة للقارات ذاتَ قدرة نووية. والأهم أنَّه كان يطلق ابتسامتَه، محاطاً بمسؤول صيني وبضيف استثنائي هو وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي حظي باستقبال حار. وتردّد في الفترة الماضية أنَّ الجيش الروسي الذي يحارب في أوكرانيا يغرف حالياً من ترسانة الرفيق كيم.

يمكن أن نضيف إلى لمعان الدور الكوري الشمالي تلك المشاهد الوافدة من البحار عن غرق «قوارب الموت» وجثث اللاجئين الهائمة في البحار. والأكيد هو أنَّ الظاهرة الموجعة مرشحة للاتساع، لأنَّ الدول الفاشلة التي تدفع عدداً من شبانها إلى أنياب البحر هرباً من الفقر والتسلط والفساد لم تتعلم وترفض أن تتعلم. هذا علاوة على الدراسات التي تؤكد أنَّ الاحترار المناخي سيتسبب في هجرات مليونية، خصوصاً من البلدان المهددة بالتصحر والجفاف، التي يحتفل الأقوياء فيها بأختام السلطة بغض النظر عن الكوارث المقتربة. ولا تقل إيلاماً الحرائق التي تلتهم الغابات من الجزائر إلى كندا مروراً باليونان والرتغال وغيرهما، في مشاهد مروعة تشبه احتراق لحم الأرض.

وللمشهد تتمة هي ما نراه في أفريقيا. ملايين الجائعين في السودان الذي يتلوى على نيران «حرب الجنرالين». جوع في البلاد التي قيل لنا ذات يوم إنَّها يمكن أن تكون سلة غذاء لأبنائها وللمنطقة المحيطة. ولا يصحُّ أن ننسى عودة أفريقيا إلى لغة الجنرالات والانقلابات والرهان على مساهمات زعيم «فاغنر» الذي يحب الحروبَ ويعشق المناجم. صحيح أنَّ فيديل كاسترو أرسل قوات ذاتَ يوم إلى أنغولا وإثيوبيا لكنه كان كاسترو، وأرسلها في عالم آخر. وأخطر ما في اللعبة أنَّ زعزعة استقرار أفريقيا ستوفر لـ«داعش» فرصة التحصن في الغابات والصحاري، ما يعد القارة بمزيد من الحروب والفقر والآلام.

الاحترار المناخي. تزايد الفقر. «قوارب الموت». الأمن الغذائي المهدد. زعزعة الاستقرار. تكريس العودة إلى لغة القوة. نهر الدم الأوكراني - الروسي. الجمر المهدد بالاستيقاظ في تايوان وحولها. خوف أميركا من الصعود الصيني. وخوف الهند من المارد الصيني. وخوف الدول الصغيرة من صراع الفيلة. كلها عوامل تنذر بأنَّنا نندفع إلى الإقامة في عالم شديد الخطورة يفتقر إلى الكوابح وصمامات الأمان. من حق العالم أن يحتفل بالذكاء الاصطناعي، لكن من واجبه أن يتذكر أن التقدم التكنولوجي المذهل يترافق مع افتقار صارخ إلى التقدم الإنساني. تكفي الإشارة إلى أن دور غوتيريش لا يتعدى إطلاق التحذيرات ونظم المراثي وتنظيم الجنازات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقدمات عالم مؤلم مقدمات عالم مؤلم



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى
  مصر اليوم - نظام غذائي مستلهم من الصيام لتحسين صحة الكلى

GMT 11:17 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا
  مصر اليوم - رامي صبري يُعلق على حفلته في كندا

GMT 23:37 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هاريس تتعهد بالعمل على إنهاء الحرب في الشرق الأوسط
  مصر اليوم - هاريس تتعهد بالعمل على إنهاء الحرب في الشرق الأوسط

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 21:04 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

فيسبوك يوسع نطاق خدمة الأخبار المحلية

GMT 03:12 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يعلن عن أسباب تسوس الأسنان

GMT 11:40 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

"زيزو" ينفي وجود أي مفاوضات للتجديد للبدري

GMT 09:34 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

الألواح الملوّنة يمكنها توفير %20 من الطاقة للمباني

GMT 13:43 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

فلكي مصري يتنبأ بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة

GMT 04:16 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

إيساف ومحمد رشاد يكشفان جديدهما في "سنة تانية غنا"

GMT 02:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عقار جديد لفقدان الوزن بنفس فعالية حمية أتكينز

GMT 07:55 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن محور الحفلة الدولية لـ " Met Gala "

GMT 07:39 2022 السبت ,01 تشرين الأول / أكتوبر

الخطيب يتابع كولر بحضوره المران للأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon