توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إنقاذ غزة... والمنطقة

  مصر اليوم -

إنقاذ غزة والمنطقة

بقلم - غسان شربل

أقسى الحروب هي تلك التي يعتقد أطرافُها بأنَّ بابَ التراجع فيها مقفلٌ بإحكام لأنَّ فتحه يعني الهزيمةَ الماحقة وتهديدَ الوجود. الحرب الدائرة بين إسرائيلَ و«حماس» تبدو من هذه القماشة وتنذر بتكاليف إنسانية هائلة علاوة على تبعاتِها العسكريةِ والأمنية والسياسية والاقتصادية.

منذ ساعاتها الأولى، ارتدت معركةُ سحقِ العظام هذه طابعاً مخيفاً. إنَّها مصنعٌ هائلٌ للدمار والأيتام والأرامل واحتقار القانون الدولي خصوصاً لما تنزله بالمدنيين. وأخطرُ الحروب هي تلك التي تجري في غيابِ مرجعية دولية قادرة على وقف مشاهدِ العقاب الجماعي، والتلويح بإحلال نكبة جديدة فوق نكبة قديمة. ولا يحتاج العالمُ إلى مَن يذكّره بالسقوط المدوّي لهيبة مجلس الأمن وقراراته، خصوصاً بعد الحرب الدائرة على الأرض الأوكرانية، والانقسام الذي أحدثته في نادي الدول الكبرى.

في الحرب الصحافة مهنة مؤلمة. عليك أن تسجّل جرائمَها. الجثث الصغيرة المستخرَجة من تحت ركام المنازل. الأطراف التي سرقتها القنابل من أجساد المدنيين. الذعر الصارخ في عيون الأمهات. الانكسار المروّع في وجوه النازحين الذين طالبتهم المناشير بالانصياع لتهجير جديد على أرضهم. وعليك الالتفات إلى الصعود المتسارع لعداد القتلى وانتظام الجثث في صفوف طويلة. والتهام آلة الحرب الأرض ومن عليها ومن دون الإشفاق على المسعفين والصحافيين. كأنَّ كاميرا المصور أشد إيذاء من الصواريخ. كأنَّ عيونَ الصحافيين خناجر لا ترحم. نحن الصحافيين الذين دفعتهم المهنة إلى معاينة عددٍ من المقابر الهائلة الجوالة في الشرق الأوسط الرهيب لا نملك غيرَ الاعتراف أنَّ الحرب الحالية هي الأقسى والأخطر والأفظع.

هاجمتني المشاهد أمس. تذكرت الجنرال آرييل شارون يسكب النار في 1982على بيروت المحاصرة ويحرم أهلها من كسرةِ خبز وقطرة ماء أو كهرباء. تذكَّرت أيضاً المناشير التي ألقتها الطائرات الإسرائيلية يومها ترشد السكان إلى «الطرق الآمنة» لمغادرة المدينة. وتذكَّرت أيضاً أنَّ كوفية ياسر عرفات عاندت واختارت - بعد اضطرار المقاتلين إلى الإبحار إلى منفى جديد - إعادة القضية إلى ترابها وتحديداً إلى الضفة وغزة. وفي تلك الأيام كانت إسرائيل أقوى وقدرتها على الردع أكبر ولم يكن «حزب الله» قد وُلد ولم تكن «حماس» أبصرت النورَ وكانت إيران غارقة في حربها مع العراق. والسؤال الكبير هو هل أصابَ الشعور بالقوة المؤسسةَ السياسيةَ والأمنية الإسرائيلية بعمى الغطرسة فاعتقدت بأنَّه يمكن تأسيسُ أمنٍ واستقرار على ركام حقوق الفلسطينيين؟

الحرب الحالية في غزة أكثر خطورةً من المواجهات السابقة. هزَّ هجوم «حماس» بمجرياته وعددِ ضحاياه ورهائنه المجتمعَ الإسرائيلي. وجَّه ضربة قويةً لصورة القدرة على الردع التي يتمسَّك الجيش الإسرائيلي بعدم التفريط فيها. تصريحات ما بعد الضربة وعلى لسان بنيامين نتنياهو، فضلاً عن وزير الدفاع والعسكريين، تؤكد أنَّ «المعركة مصيرية». تتحدَّث التصريحات عن محو «حماس» وتمزيقها وتغيير كاملِ للوضع الذي كان قائماً في غزة قبل وقوع الهجوم. تشكيل حكومة الحرب في إسرائيل كانَ تعبيراً صريحاً عن درجة الشعور بالخطر. هذا الشعور يطلق يد الجنرالات، ما ينذر بحربٍ مدمرة لا يمكن ضبطُ حدودِها وخسائرها.

الحرب الحالية أخطر من سابقاتها. بين المراقبين من يخشى أن تكونَ الحرب في غزة حلقة أولى في معركة واسعة ترمي إلى رسم حدود الأدوار بالنار على مستوى الإقليم. وقد يكون التخوف من قدرة شرارات حرب غزة على التطاير هو ما دفع إدارةَ جو بايدن إلى إرسال حاملتي طائرات إلى المنطقة وتوجيه رسالة تحذير صريحة إلى الأطراف المؤيدة لـ«حماس» بعدم الانخراط في النزاع. وعلى رغم تفادي واشنطن حتى الساعة اتهامَ طهران صراحة أو تسميتها هدفاً للتحذير، فإنَّ الواضح هو أنَّها المستهدفة وأنَّها الوحيدة القادرة على تحريك جبهتي الجنوب اللبناني والجولان. الغارات الإسرائيلية على مطارَي دمشق وحلب رسالة إسرائيلية بالنار إلى إيران وليس إلى سوريا.

ثمة مَن يلفت إلى الوضع الصعب لنتنياهو. نهاية الحرب قد تدقّ أجراسَ نهايته لاعباً سياسياً. حين تصمت المدافع سيتحمل بالتأكيد مسؤولية الفشل في توقع هجوم «كتائب القسام» والهشاشة التي تكشفت لدى الأجهزة الأمنية والدولة العبرية بمجملها. وهناك مَن سيحمّله أيضاً مسؤولية إغلاق كل النوافذ السياسية وجعل الانفجار خياراً وحيداً. وبدأت بعض الأصوات تحمّله مسؤولية الرهان على الانقسام الفلسطيني لنسف خيار الدولتين والتفاوض واعتقاده بأنَّ وجود «حماس» هو أفضل ضمانة لاستنزاف الصوت الفلسطيني المقبول دولياً، وهو صوت السلطة الفلسطينية.

واضح أنَّ أي هجوم بري واسع على غزة سيفتح الباب على كل الأخطار. مواجهة دموية في شوارع الضفة الغربية ظهرت بوادرها. خطر اشتعال الحرب على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية وربما على الحدود مع الجولان. هناك مَن يلمح إلى أن الحرب على جبهتين قد تدفع نتنياهو إلى فتح النزاع على مصراعيه وربما استهداف مواقع أو منشآت على الأرض الإيرانية لاستدراج أميركا إلى مواجهة مع إيران. يصعب أيضاً تصور وضع تسلم فيه طهران بتقدم سياسة نتنياهو المبنية على «قطع الأذرع الإيرانية».

غزة موصولة بشرايين المنطقة. والهجوم البري سيؤدي في حال حصوله إلى كارثة في صفوف المدنيين. وربما يفتح الباب لتوسيع النزاع. ولهذا تصبح المهمة الأكثر إلحاحاً التحرك لإنقاذ المدنيين من الخطر المحدق وتذكر موجبات القانون الدولي الإنساني عن طريق لجم التصعيد والتقدم نحو وقف الحرب. ليس ثمة شك أن العودة إلى الوضع السابق متعذرة. لا بد من سياق يعيد فتح باب الحل السياسي ومراعاة الحقوق. وهذا جوهر ما سمعه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وليس سراً أن أميركا هي الطرف الأقدر على البحث في لجم التصعيد وإعداد المواقف لتقبل وقف الحرب. وهذه المهمة تعني عملياً إنقاذ غزة من كارثة إنسانية وإنقاذ المنطقة من انهيار كبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنقاذ غزة والمنطقة إنقاذ غزة والمنطقة



GMT 09:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 09:10 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 09:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 09:06 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 09:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 09:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 08:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الاستقلال اليتيم والنظام السقيم

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon