توقيت القاهرة المحلي 15:58:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأطلسي يتحدى المحارب الروسي

  مصر اليوم -

الأطلسي يتحدى المحارب الروسي

بقلم - غسان شربل

حين غزت القوات العراقية الكويت اتصل العاهل الأردني الراحل الملك حسين بالرئيس صدام حسين متمنياً عليه سحب قواته والعودة إلى تسوية الخلافات عبر التفاوض. وجاء رد صدام: «لقد تمادوا وتلزمهم فركة أذن». حاول الإيحاء أنها مجرد «عملية تأديب» لكن التطورات اللاحقة أظهرت أنها أكبر وأخطر. أطلق الغزو العراقي زلزالاً سرعان ما ارتد على العراق نفسه وجاءت النتائج معاكسة تماماً لما تمناه من أطلق الزلزال.

وحين حشد فلاديمير بوتين قواته على حدود أوكرانيا لم يصدق القادة الأوروبيون أنه سيغزوها واعتبروا أن الأمر لن يتعدى التهويل والتخويف وفي أقصى الحالات مجرد «فركة أذن».

لا أشبه أبداً عراق صدام بروسيا بوتين. لكن هناك في الغرب من بدأ يتحدث عن أن نتائج غزو أوكرانيا قد تكون عكس ما اشتهاه من أطلق الغزو. ويقولون إن حلف «الناتو» هو اليوم أقوى من أي وقت منذ ولادته في زمن جوزيف ستالين وإن أوكرانيا أقرب إلى الحلف منها في أي وقت سابق، حتى لو تعذر الإعلان عن ضمها رسمياً إلى صفوفه. وخير دليل أن رجب طيب إردوغان الذي يرقص مع بوتين على المسرح السوري والذي أدخل الصواريخ الروسية إلى حديقة الأطلسي استقبل فولوديمير زيلينسكي وقال إن بلاده تستحق عضوية الأطلسي.

هذا من دون أن ننسى أن وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أكدت في ختام زيارتها بكين استحالة الفصل الكامل بين الاقتصادين الأميركي والصيني وتحدثت عن وضع العلاقات على «أسس أكثر صلابة». ولا مبالغة في القول إنه ليس من مصلحة العالم رؤية روسيا معزولة ومجروحة أو عرضة لعدم الاستقرار. ولا يصح أيضاً أن ننسى أن فنلندا التي طلقت حيادها لتلتحق بحلف «الناتو» تملك حدوداً مشتركة مع روسيا بطول 1340 كيلومتراً.

قبل عقد من الزمن تزايد الهمس في بعض الأروقة الأوروبية. ترددت عبارات من نوع أن حلف شمال الأطلسي فقد مبررات وجوده. وأن الخطر قد زال مع تواري الاتحاد السوفياتي. وأن روسيا ليست عدواً وحنين بعض رجالاتها إلى الزمن السوفياتي لا يتعدى حنين المسن إلى أيام شبابه وعنفوانه. وأن الحلف بعيد جداً عن المبارزة التي انتقلت إلى آسيا وباتت تحظى بالأولوية في حسابات أميركا وهواجسها. ورأت دول أوروبية أن الوقت حان لتتولى أوروبا الدفاع عن نفسها بدل الاستمرار في الإقامة تحت عباءة الجنرال الأميركي. لكن الحلف السبعيني تلقى جرعة إنعاش حين استعاد فلاديمير بوتين في 2014 شبه جزيرة القرم وألحقها بالوطن الأم. ولم يتوقف قادة الحلف عند عبارة مررها بوتين تلك الأيام ومفادها أن أوكرانيا لم تكن يوماً أمة مستقلة.

عندما اجتازت الدبابات الروسية خط الحدود الروسية - الأوكرانية في 24 فبراير (شباط) 2022 لم يعد لعبارات التشكيك بجدوى حلف «الناتو» أي مكان. واستنتج كثيرون بعد شهور أن أوكرانيا ما كانت لتتعرض لغزو روسي لو كانت نجحت في الانضواء رسمياً تحت عباءة «الناتو».

حين يلتقي قادة الدول الأعضاء في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، غداً سيتذكر الجميع أنها تكاد تُعقد على الحدود مع بيلاروسيا وفي مكان غير بعيد عن الحدود الروسية. ومن حق بوتين أن يشعر بالغضب لاختيار هذه المدينة السوفياتية السابقة لتمرير رسالة حازمة له ومفادها أن قرار الغرب بمنع انتصار روسيا في الحرب التي تشنها في أوكرانيا قائم وأن القمة ستضمن استمرار السخاء الغربي حيال أوكرانيا لسنوات. ويعرف بوتين أن عائلة الأطلسي ما كانت لتزيد عن الثلاثين لولا الدول التي خانت ماضيها السوفياتي أو ماضيها المحايد. ولعل خير تعبير عن تصميم واشنطن أن الإدارة الأميركية وافقت قبل أيام من القمة على تزويد الجيش الأوكراني بقنابل انشطارية على رغم معرفتها بحجم معارضة بعض دول الحلف لهذه الخطوة.

تسبب غزو أوكرانيا في يقظة هوية عنيفة لدى مواطنيها الذين أكد آخر الاستفتاءات أن 70 في المائة منهم يؤيدون استمرار القتال ضد القوات الروسية ورفض التنازل عن أي شبر من الأرض الأوكرانية. تسبب أيضاً في جعل سياسي عادي هو زيلينسكي رمزاً في بلاده وفي القارة وقد تحول نجماً في لقاءاتها. ويمكن القول إن الغزو أعاد تكريس القيادة الأميركية للحلف. وعلى رغم أن رد الفعل الأوروبي على الحرب الروسية فاق التوقعات فإن الأوروبيين يسلمون أن صمود أوكرانيا يرجع أولاً وأخيراً إلى الموقف الأميركي الحازم الذي ترجم سخاء في الدعم تبعته الدول الأوروبية البارزة.

من المستبعد أن توافق قمة فيلنيوس على ضم أوكرانيا رسمياً وفوراً إلى صفوف الحلف لأن ذلك يفتح باب الأخطار وينذر بانزلاق الحلف إلى مواجهة مباشرة مع روسيا التي لا تنسى التذكير بترسانتها النووية. لكن الأكيد أن القمة سترسل إشارة صريحة مفادها أن الحلف هو قدر أوكرانيا ومستقبلها. والواضح أن قمة فيلنيوس قد توفر لأوكرانيا برنامج دعم عسكري واستخباراتي ومالي لسنوات عدة ما يتيح لأوكرانيا الاستمرار في المواجهة، حتى لو تباطأ هجومها المضاد أو تعثر. وثمة من يتحدث عن صيغة دعم أميركي لأوكرانيا تشبه صيغة الدعم الأميركي لإسرائيل بانتظار انطفاء نار النزاع وإعلان العضوية رسمياً.

تنعقد قمة فيلنيوس بعد مرور 500 يوم على انطلاق الحرب. يصعب الاعتقاد أن أوكرانيا قادرة على استعادة كامل أراضيها من القوات الروسية. في المقابل يصعب الاعتقاد أن روسيا قادرة على حسم الحرب وإرغام أوكرانيا على الاستسلام. لا يلوح في الأفق أي حل سريع للنزاع الذي تسبب حتى الآن بسقوط نحو نصف مليون شخص بين قتيل وجريح. النزاع الذي ينذر بزعزعة استقرار دول بعيدة بسبب انعكاساته على أسعار الطاقة والحبوب. أزمة زعيم «فاغنر» جرحت صورة سيد الكرملين لكنها لم تؤثر على قدرة روسيا على الاستمرار في الحرب. ورسالة قمة فيلنيوس صريحة وهي الحرب مفتوحة وانتصار روسيا ممنوع. يدرك الأطلسي مخاطر التطلع إلى إلحاق هزيمة مدوية بروسيا لكنه يبعث برسالة مستفزة مفادها «لقد تمادت روسيا وتلزمها فركة أذن».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأطلسي يتحدى المحارب الروسي الأطلسي يتحدى المحارب الروسي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:37 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً
  مصر اليوم - طرق مختلفة لاستخدام المرايا لتكبير المساحات الصغيرة بصرياً

GMT 00:20 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة
  مصر اليوم - ترامب يؤكد أنه سيقر بهزيمته إذا كانت الانتخابات عادلة

GMT 13:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

جيل ستاين تؤكد أن خسارة هاريس للأصوات بسبب دعم "إبادة غزة"
  مصر اليوم - جيل ستاين تؤكد أن خسارة هاريس للأصوات بسبب دعم إبادة غزة

GMT 14:45 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان
  مصر اليوم - أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 12:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد امام يعتبر والده "الزعيم" هو نمبر وان في تاريخ الفن
  مصر اليوم - محمد امام يعتبر والده الزعيم هو نمبر وان في تاريخ الفن

GMT 15:53 2018 الإثنين ,12 آذار/ مارس

إستياء في المصري بسبب الأهلي والزمالك

GMT 10:53 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على وصفات طبيعية للعناية بالشعر التالف

GMT 02:56 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

الفنانة ميرنا وليد تستعد لتقديم عمل كوميدي جديد

GMT 19:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 13:48 2018 السبت ,05 أيار / مايو

سيارة بدون "عجلة قيادة ودواسات" من سمارت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon