توقيت القاهرة المحلي 21:13:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكاظمي... القرار والاستقرار والاستثمار

  مصر اليوم -

الكاظمي القرار والاستقرار والاستثمار

بقلم: غسان شربل

لا يستطيع مصطفى الكاظمي أنْ يكونَ مجردَ تكرار لأسلافه. النتائج لا تشجّع على التكرار وهو لا ينتمي إلى المدرسة نفسها. لا يحمل على كتفيه أثقالاً حزبية أو قراءات قديمة لطريقة إدارة الدولة أو موقعها في الإقليم. السنوات التي أمضاها يقلب المعلومات ويقرأ ما بين سطورها أقنعته أنَّ الوضعَ العراقي لم يعد يتحمل مزيداً من التخبط والهدر والضياع والفساد. إنَّه يعرف بالتأكيد أنَّ إنقاذ الخريطة نفسها يحتاج إلى وضعها في عهدة دولة تستحق التسمية. لا طمأنينة للخريطة إلا في ظلّ دولة تحرس الثوابت الوطنية وتدافع بمؤسساتها عن كرامة الأرض وتحرس كرامة المواطن. وحدها الدولة هي الجسر الآمن ليعبر العراقي إلى الإقليم والعالم ليتاجر ويتفاعل ويشارك. ووحدها الدولة الجدية تقدر على إقناع المستثمر بالمجيء. وعلى إقناع السفراء بالتزام حدود العلاقات بين الدول. يحتاج العراق إلى شراكات لا إلى وصايات.
منذ توليه مهامه في السابع من مايو (أيار) الماضي أيقظ الكاظمي حديث الدولة ومعركة البحث عنها. عادت إلى الواجهة عبارات من قماشة عدم التدخل في الشؤون الداخلية. قيلت العبارة أمس بمناسبة زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف
واضح أن الكاظمي يحلم باستعادة العراق من الإقامة الدائمة في العاصفة. الإقامة المتوترة على خط التماس الإيراني - الأميركي الذي يشهد شهوراً صعبة بين حسابات الانتظار والانفجار. لا يحمل الكاظمي مشروعاً معادياً لإيران كدولة جارة. فمثل هذا المشروع لا يحل المشكلة وليس مطلوباً أو ممكناً. يحمل مشروعاً لإعادة التوازن يمكن أن يعزز موقع العراق في التخاطب مع إيران وتركيا وسائر الدول المحيطة. ترميم علاقات العراق بعمقه الخليجي والعربي ضروري لاستعادة العراق قدرته على استرداد موقعه الطبيعي في توازنات المثلث العراقي - الإيراني - التركي. وطبيعي أن يلقى توجه من هذا النوع تفهماً وتأييداً، ذلك أنَّ عودة العراق إلى الإمساك بقراره واستقراره حاجة خليجية وعربية بل دولية.
يعرف الكاظمي أنَّ القدر كلَّفه مهمة بالغة الصعوبة كي لا نقول مستحيلة. جاءته رئاسة الوزراء في زمن متفجر. تكفي الإشارة إلى أنَّ السنة العراقية كانت قد بدأت بمقتل قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» بصاروخ أميركي على أرض بغداد. مجرد اتخاذ القرار بمعاقبة سليماني شخصياً كان يعني فتح صفحة أكثر حدة بين واشنطن وطهران. ولم يكن مستغرباً بعد ذلك أن يطلب البرلمان العراقي من الحكومة إنهاء وجود قوات «التحالف» على أرض العراق، وأن تستهدف صواريخ الميليشيات قواعد عسكرية تستضيف أميركيين.
الفترة الحرجة نفسها كشفت أن سياسة «الضغط الأقصى» التي اعتمدتها إدارة دونالد ترمب ألحقت أضراراً جدية بالاقتصاد الإيراني وقدرة طهران على تمويل مشروعها الإقليمي. جانب آخر كشف صعوبة الموقف الإيراني في هذه المرحلة. تتلاحق الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، وتحولت إلى ما يشبه حرباً تشن بالتقسيط. لم تستطع طهران حتى الآن تنظيم أي رد رادع. الوجود الروسي قد يكون عائقاً على الأرض السورية، لكن الخشية من مواجهة واسعة في ظل وجود ترمب قد تكون الحائل دون استخدام الجبهة اللبنانية.
ليس سراً أنَّ ضرراً لحق بصورة إيران التي كانت تلوح دائماً بردود مزلزلة على كل من يستهدفها. لهذا تعيش إيران على درجة عالية من التوتر. الاشتباك مفتوح مع الخارج، ولا بدَّ من انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي الداخل المتوتر بفعل ارتفاع البطالة وتدني قيمة العملة الوطنية وتزايد أعداد المقيمين تحت خط الفقر، يخشى النظام تجدد الاحتجاجات التي لا يملك حلاً لها غير القمع والقسوة الدموية المفرطة.
في موازاة مصاعب الملف الإيراني، واشتباك طهران المفتوح مع واشنطن، ورث الكاظمي وضعاً داخلياً بالغ السوء. لا مبالغة في الحديث عن فشل صارخ تميزت به الحكومات التي تعاقبت بعد سقوط نظام صدام حسين. فشل في ترميم القرار العراقي والعلاقات الطبيعية بين المكونات. وفشل في منع الفصائل والميليشيات من استباحة الدولة من الوريد إلى الوريد. وفشل في حماية الممارسات الانتخابية من إغراء العصبيات الطائفية وسطوة المال؛ خصوصاً ذلك الوافد من فساد غير مسبوق عراقياً، وربما على مستوى العالم. وحين ضاق الناس ذرعاً بتشرذم القرار والصعوبات المعيشية اليومية لم تتردد آلة القتل في استهداف الناشطين، وكأنها تعلن رفض أي دعوة إلى الإفراج عن سيادة العراق وحرية العراقي واستقراره وخبزه.
والحقيقة هي أنَّ ما يطالب به الكاظمي هو أقرب إلى بديهيات لا يجوز الاستمرار في حرمان العراق منها. فهل يعتبر العراق وقحاً إذا طالب بأن يعيش بلا وصايات إقليمية أو دولية؟ وهل يعتبر العراق معادياً إذا طالب القوى المجاورة بأن تقيم داخل خرائطها، وألا تدخل أرضه بأسلوب الكسر والخلع؟ وهل يعتبر العراق مزعجاً إذا طالب بالتعامل معه بوصفه «الدولة العراقية» وليس «الساحة العراقية» وأنه ليس صندوق بريد للرسائل المتفجرة إقليمية كانت أم دولية؟ يحتاج العراق إلى النجاح في معركة ترميم القرار، ويحتاج إلى قطرة استقرار لفتح باب الاستثمار واستئناف حلم الازدهار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاظمي القرار والاستقرار والاستثمار الكاظمي القرار والاستقرار والاستثمار



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:41 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً
  مصر اليوم - نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً

GMT 02:25 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها
  مصر اليوم - طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 23:55 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

المؤلفون غير البيض يشعلون شغف الطلاب بالقراءة

GMT 17:36 2024 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

الإعلامية مروة صبري تهاجم مها أحمد

GMT 07:16 2024 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

نخر الأنف قد يساهم في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر

GMT 22:12 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

ريهام سعيد تحذف صورها وتوجه رسالة لطبيب التجميل

GMT 06:22 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

وحيد .. هل يقلب الهرم؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon