بقلم: مشاري الذايدي
أمَا ونحن في الفصل الأخير من ليل «كورونا»، ونحن نلمح تباشير الفجر الأبيض، فجر الخروج من ظلام العزل وتعطيل الحياة الإنسانية والاقتصادية المعتادة، بعدما اتخذت حكومات كثيرة في العالم ترتيبات وقرارات بإعادة الحياة المعتادة والنشاط الاقتصادي والحكومي والفردي العادي، ولو بالتدريج.
أقول أمَا وقد حصل ذلك، أو بدأنا بالصفحة الأولى منه حتى يتم طيُّ صفحات «كورونا» المستجدة كلها للصفحة الأخيرة، يظل لنا من هذه الأسابيع العجاف التي مرّت بنا منذ زهاء الـ4 أشهر، حريٌّ بنا، نحن البشر، شعوباً وحكومات وشركات خاصة، نخبة وعامة، التفرّس في ملامح الجائحة، ليس في وجهها الصحي، وإن كان ذلك ضرورة، بل في عواقبها وتبعاتها الاقتصادية، على القطاعين العام والخاص، وعواقبها على شكل التواصل الإنساني الطبيعي، وهل هو، فوق كونه أساس الحراك الاقتصادي، حاجة نفسية بشرية غريزية، ليس من أجل تبادل المنافع المادية فقط، بل من أجل الشعور بالوجود الإنساني الطبيعي، لأن الإنسان «يأنس» بالتواصل مع نظيره الإنسان، كما يأنس ويعيش بالهواء والماء.
عِبَرٌ كثيرة، يجب تقطير رحيقها من بخار الأزمة الساخنة، حتى تصير عصيراً بارداً منعشاً للعقل والحكمة والتأمل النافع، فالمصائب تحصل، وهي جزء من هوية الحياة وقد قال لنا أبو الحسن التهامي قديماً:
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار!
لكن الفارق بين العاقل ونقيضه، هو الاعتبار بنقائض الليل والنهار، ومما حفظناه من حكيم الكلم والابتهالات: «السعيد من وعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره».
كل العالم، أو جلّه، كان في مهبّ إعصار «كوفيد19»، ونزف الاقتصاد العالمي دماً عزيزاً وغزيراً، وما زال، وكذا نزفت النفوس من ماء سكينتها النفيس النادر... لكن كان ذلك كله قدراً مقدرواً، لم يسلم منه إلا القليل.
كيف نتحاشى هبوب «كورونا»، وأخوات كورونا من جديد، ولا نحكم على حياة العالم بالشلل، عند أي صيحة مستجدة؟
لا ريب لديَّ إن هذا هو الشغل الشاغل لأصحاب القرار في العالم، ولأرباب الشركات العالمية الكبرى التي تشغّل ملايين البشر، كما هو الهم المقيم المقعد، للخلّص من نخبة العلماء والباحثين في الميدان الطبي وأبحاثه.
نحن نثق بقدرة العقل البشري البديع على ابتكار حلول أخرى، غير الحل الذي اعتمده كاتلوج منظمة الصحة العالمية حالياً، وهو بكل حال كتالوج سطوره مشوشة وصوره مموهة، ورسائله متضاربة، لكن العقل الإنساني ليس منظمة الصحة العالمية فقط، فهذه مؤسسة تصيب وتخطأ، شأن بقية المؤسسات والبشر.
بقي أمر أخير، هل استغل بعض الفنانين والمبدعين والرسامين والمصورين والروائيين وغيرهم، هذا الحال الاستثنائي... رصداً وتأملاً، ثم استيعاباً.. وإنتاجا خالداً في النهاية، على غرار كل فناني العالم عبر الزمان مع الكوارث والجوائح التي عاصروها؟