توقيت القاهرة المحلي 10:32:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول

  مصر اليوم -

زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

حفّزني مقالٌ جميلٌ - كعادته - للكاتب والباحث السعودي ناصر الحزيمي كتبه في صفحة «العربية نت» عن «زمن الفطحل»، وهي مطالعة رائقة من فوائد حبيبنا (أبي بدر الحزيمي).

يقول ناصر إنَّه حينَ شاهد سلسلة الفيلم الأميركي الشهير «جوراسيك بارك» عن قدرة علماء على إنعاش وعودة الحياة للديناصورات الموغلة في القدم... تذكّر فكرة غامضة وردت في التراث العربي عن «زمن الفطحل».

يقول المعجمي العربي الشهير أبو منصور الأزهري (المتوفى: 370هـ) في كتابه تهذيب اللغة:

قَالَ اللَّيْث: الفِطَحْلُ هُوَ دَهْرٌ لم يُخلق الناسُ فِيهِ بعد. وَأنْشد:

زمنَ الفِطحْل إِذْ السَّلامُ رِطَاب...

جاء في لسان العرب لابن منظور (المتوفى: 711هـ):

الفِطَحْل، عَلَى وَزْنِ الهِزَبْر: دَهْرٌ لَمْ يخلَق النَّاسُ فِيهِ بَعْدُ، وزمنُ الفِطَحْل زَمَنُ نُوحٍ النَّبِيِّ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ وَسُئِلَ رُؤْبَةُ عَنْ قَوْلِهِ: زَمَنَ الفِطَحْل، فَقَالَ: أَيام كَانَتِ الْحِجَارَةُ فِيهِا رِطاباً.

كما جاءَ في كتب التراث العربي عن زمن الفطحل: أَيَّام كَانَت الْحِجَارَة رطبَة وَإِذا كل شيء ينْطق، قَالَ: وَزعم بعض أهل اللُّغَة أَنَّ زمن الفطحل هُوَ زمن الخصب وَالسعَة، وَأَنَّهُمْ أَرَادوا برطوبة السَّلَام ابتلال الصخر ورفاهية الْعَيْش واتصال الغيوث وَصدق الأنواء.

بدوري أنا أودّ التهميش على مقالة ناصر الجميلة، بمُلح - سبق ذكرها هنا - من ترابط الأساطير من الماضي للحاضر، فأقول:

ثمّة مثل عامّيٌّ عند أهل الجزيرة العربية، وهو:

«يوم كل شي يحكي».

أورد هذا المثل العلاّمة السعودي، المرحوم، الشيخ محمد العبودي، في كتابه الحافل عن الأمثال العامية، ثم علّق الشيخ محمد بالقول:

«أي: عندما كان كلُّ شيء من الحيوانات يتكلم».

ويتابع: «ذلك أنَّ من خرافاتهم أنَّ كلَّ الحيوانات والطيور في قديم الزمان، كانت تتكلَّم كما يتكلَّم الإنسان. إلا أنَّها استعجمت بعد ذلك، وبقيَ الإنسان وحدَه القادر على الكلام».

ويخبرنا العلامة العبودي بأنَّ هذا الأمر هو زعمٌ قديم للعرب، وليس حادثاً مع العوام. قال الجاحظ: «كانت العرب تقول: كان ذلك إذ كل شيء ينطق».

أتذكَّر شخصياً أنني كنت أستمع لـ«سواليف»، أي حكايات، رجل من بلدة واقعة بعالية نجد، غرب الرياض، فسأله شخصٌ عن زمن وقوع القصة، ليردّ عليه: «سنة حنّا قطين على رغل... يوم الحصى تمر».

أي وقع ذلك بالعام الذي كنّا به بوقت الصيف الشديد بقرب مورد مياه اسمه «رغل»، وذلك بزمن قديم جداً حين كان الحصى تمراً، كناية عن عدم واقعية القصة.

وبعد، يُرجعنا ذلك كلُّه للكسل البحثي بالجزيرة العربية - نستثنى أسماء قليلة مثل د. سعد الصويان، عالم الأنثروبولوجيا السعودي، بمؤلفاته الخاصة أو الموسوعات التي أشرف عليها - أقول يرجعنا ذلك للكسل البحثي والاستسهال في تقليب أوراق الهوية وتفحّص ملامح الثقافة، في الأمثال والحكايات والعادات، لأنَّ في ذلك:

أولاً، خدمة «ضرورية» لتجذير الهوية الوطنية بعيداً في أرض الروح.

وثانياً فيه إثراء وحيوية في تكثير المنابع التي يستقي منها المبدعون اليوم، بكتابة الروايات وتفجير الدراما، وتمكين الرسامين والموسيقيين، وغيرهم من مواردَ ثرّةٍ فوّارة لا تنقطع، منذ زمن كانَ فيه:

كل شي يحكي. وكان الحصى تمر... زمن الفطحل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول زمن الفِطَحْلِ وكسل العقول



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon