بقلم - مشاري الذايدي
أغرب، وأسعد أمر هو أن تجد في طيّات خبر قبيح، لمحة جميلة منزوية فيه. هذا هو الإحساس الذي ألمّ بي وأنا أقرأ عن إمام مسجد، نبيل، في نيجيريا، حمى مواطنيه المسيحيين من مجزرة وشيكة كانت ستقع من قبل، أيضاً مواطنيه، بعض المسلمين.
القصة كما نشرتها «بي بي سي» كانت أن بعض الأسر المسيحية النيجرية من عرقية «البيروم» وهم محترفو الزراعة، عدد أفرادهم نحو 300، وبعد خلافات معتادة لهم مع المسلمين، رعاة الماشية، من فئة «الفلاني» هربت من القرية التي كانت عرضة لهجوم مسلحي «الفلاني» لاجئة لقرية أخرى، بها إمام المسجد النبيل هذا.
الإمام قال لـ«بي بي سي»: «أخذت النساء أولاً إلى منزلي الخاص لأخبئهن. ثم أخذت الرجال إلى المسجد».
لن أقول إنه موقف غريب، بل هو الأساس والأصل، ويبقى الخير ما بقي الوفاء، وبقيت الرحمة، وحماية الجار، لكن يجب علينا التذكير، فالذكرى تنفع.
عبر التاريخ، تستغل النزعات الدينية والقومية، للتلاعب بالناس، العامة منهم تحديداً، كما جرى في فصول «الفتنة العامة» التي جرت ببلاد الشام الكبرى 1860 واندلعت شرارتها في جبل لبنان بين المسيحيين والدروز وبقية المسلمين لتصل حرائق الفتنة إلى دمشق، سرّة الشام.
لدينا هنا وثيقة جميلة من أحد شهود هذه المجزرة. والجميل أن كاتبها تحدث أيضاً عن حمق بعض المسيحيين وصلافتهم في استفزاز المسلمين والدولة «العليّة» كما كانت الدولة «العصمنلية» توصف حينها.
نجد في عرض رائع للأب جورج مسوح نشره بـ«النهار» اللبنانية، عن مخطوطة مهمة لرجل الدين المسيحي، شاهد العيان على تلك الفتنة الكبرى وهو ديمتري الدبّاس.
يتحدث الدبّاس عن ثلاث «عجائب» حمت المسيحيين بدمشق والشام، وهي هاشم آغا القلعة، وزعماء حي الميدان، وباشا المغاربة كما نعته، الأمير عبد القادر الجزائري، وموقف الأخير معلوم ومشهور.
عن زعماء حي الميدان، يقول الدبّاس بلغة جميلة من وقتها: «جمعوا أهالي الميدان الذين هم سفهاء البلد ووعظوهم: يا أولادنا، برضانا عليكم، لا يحرّك أحد ساكناً مطلقاً. احموا النصارى في الميدان، إذ سيعود هذا الأمر الحاصل على الذي فعله (...) نكون نحن حفظنا نصارانا وحامينا عن صوالحنا وديننا ودنيانا». فأجاب جميع الأهالي: «خاضعين تحت أوامركم».
يعتبر الدبّاس أنّ نجاة المسيحيّين الدمشقيّين تعود إلى 3 أسباب: «أوّلها هاشم آغا، وثانيها آغوات الميدان، وثالثها الأمير عبد القادر. وشبههم، في تصور مسيحي، بالملائكة الثلاث الذين ضافوا النبي إبراهيم!».
الأصل هو الخير في الناس.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع