بقلم: مشاري الذايدي
زيارة بابا الفاتيكان، فرنسيس، المزمعة للعراق صبيحة الجمعة المقبلة، زيارة عظيمة الدلالات، قوية الإشارات، في عصر العراق المترع بالفتن الهائلات.
هي زيارة فيها طابع ديني، حيث العراق مهد النبي إبراهيم، الموقّر لدى الديانات السماوية الثلاث، وحيث ذكر نينوى، في الكتاب المقدّس، مبعث النبي يونس أو يونان... وإلى ذلك فيها الكثير من المعاني السياسية.
حقّق الأب الأرجنتيني المتعاطف مع الفقراء، أمنية سلفه البولندي والبابا التاريخي يوحنا بولس الثاني، الذي كان يريد زيارة بلاد النبي إبراهيم مطلع الألفية السابقة، لكن النظام العراقي حينها اعتذر له عن صعوبة تأمين الحماية له، إضافةً إلى رسائل المعارضة العراقية للبابا تقبّح له زيارة العراق في ذاك التوقيت.
يزور البابا اليوم العراق، ويتَّجه إلى أهم مركز مسيحي عراقي، وهو سهل نينوى والموصل، لكنّ الحال غير الحال، فعدد المسيحيين العراقيين في تناقص مخيف، من مليون ونصف المليون مسيحي حتى عام 2003 إلى نصف مليون اليوم... وربما أقل حسب بعض التقديرات.
يحلو للبعض، تسبيب هذا التناقص الحادّ في إحدى أقدم الطوائف المسيحية في العالم، وهي الطائفة العراقية، إلى احتلال «داعش» الإرهابي للموصل ونينوى 2014، لكنّ ذلك غير صحيح.
نعم «داعش» ارتكب الجرائم المخزية ضد مسيحيي نينوى -وكل العراقيين- وتسبب في موجات هجرة جديدة، لكنّ المشكلة سابقة لهذا التوقيت بكثير، فقد فَقدَ المسيحيون العراقيون الشعور بالأمان منذ اندلاع الحرب الطائفية بين الشيعة والسنة غبّ سقوط نظام صدام حسين 2003، وأسهم الصعود الطائفي المرعيّ من إيران وفقدان الدولة العراقية، بنفس القدر الذي أسهمت به عصابات «داعش»، في تهجير المسيحيين وتخويفهم.
كما أسهم الفساد السياسي و«الفرهود» المنظّم للمال العام والخاص، في إضعاف شأن المسيحيين، ومثلاً في يناير (كانون الثاني) 2019 أثارت قضية هدم وبيع كنيستين أثريتين في بغداد جدلاً واسعاً في الأوساط المسيحية العراقية، وتم توجيه الاتهام، من نشطاء مسيحيين عراقيين إلى موظفين ورجال دين مسيحيين، في نهب هذه المواقع وبيعها لصالح فاسدي العهد الجديد، وطبعاً ليس «داعش» منهم!
مأساة المسيحيين العراقيين مأساة قديمة، ومَن أجرم بحقهم ليس طرفاً واحداً، وإعادة الحياة لوجودهم، ليست رهناً بسبب واحد أو متهم وحيد، إلا إذا أراد المتلاعبون السياسيون والطائفيون، خصوصاً من أتباع إيران -وأتباع الأتباع من فسدة الساسة العراقيين- جعل الأمر بهذه الصورة... كسباً للصوت المسيحي الأهم في العالم، وهم، عنيتُ ربيبي فكر الخميني، أكثر الناس إهانة للمسيحيين خصوصاً في التعامل الشخصي.
حملت زيارة البابا فرنسيس للعراق شعار «أنتم جميعكم إخوة» (من إنجيل متى). وجاء في رسالته الحبرية «جميعنا إخوة»، الصادرة في خريف 2020 العبارة التالية، ولعلها مسك الختام: «اليوم إمّا أن نخلص جميعاً أو لا يخلص أحد».
وللحديث صِلة...