بقلم: مشاري الذايدي
في الأيام الأخيرة من مرحلة الرئيس الأميركي ترمب -ما لم تحدث مفاجآت أخرى!- قدّم، مجدداً، السيناتور الأميركي تيد كروز عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، مشروع قانون لتصنيف «الإخوان» منظمة إرهابية، يحث وزارة الخارجية الأميركية على تصنيف جماعة «الإخوان» منظمة إرهابية أجنبية. السيناتور الأميركي شدّد عبر موقعه الخاص على ضرورة محاسبة جماعة «الإخوان» على تمويلها ودعمها للإرهاب.
كروز كان قد قدّم قانون تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية لأول مرة عام 2015، ثم أعاد الطرح 2017، وفي يوليو (تموز) 2018 عقدت لجنة الأمن القومي في الكونغرس الأميركي جلسة خاصة تحت عنوان «مخاطر الإخوان المسلمين على الولايات المتحدة ومصالحها» قدّمت فيها تقريراً مفصلاً من 90 صفحة عنوانه «التهديد الكوني لجماعة الإخوان المسلمين»، وكان مما جاء في خلاصة ذلك التقرير الذي أعده جملة من الخبراء: «حركة الإخوان المسلمين حركة كونية نافذة، لها أذرع مختلفة تعمل جاهدة في نشر آيديولوجية متطرفة شديدة الخطورة، حتى ولو بدا للجميع أن فروعاً منها ليست منخرطة بشكل مباشر في الإرهاب».
الحق أن الحضور الإخواني في السياسات الأميركية له عمق زمني بعيد، وقد رأت فيهم الإدارة الأميركية إبّان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، أداة شعبية لمكافحة النشاط الشيوعي واليساري الذي كان على رأسه، حينذاك، الاتحاد السوفياتي والصين الحمراء.
الرئيس الأميركي أيزنهاور، التقى في واشنطن عام 1953 سعيد رمضان، صهر حسن البنّا، وهو والد طارق رمضان، ومَن كان بمثابة «وزير خارجية الإخوان المتجول»... اللقاء كان ضمن مساعي أميركا، قائدة المعسكر الغربي والعالمي لمواجهة الكتلة الشيوعية وحلفائها.
تحت هذا الشعار -مكافحة الكتلة الشرقية- كان دعم أميركا، وكثير من الدول العربية أيضاً، للجهاد الأفغاني ضد السوفيات، لكن الأهم من دعم «المجاهدين الأفغان»، العابر، هو تمكين الجماعة وأجيالها التالية من التغلغل في النسيج الغربي.
انتهت الحرب الباردة، أو على الأقل انتهى خطابها الثقافي حينذاك، وتلبّس الخطر الروسي والصيني، ملابس أخرى حالياً، لكن الإخوان ظلوا فاعلين من داخل أحشاء العالم الغربي، وصار منهم رجال ونساء يعملون داخل المؤسسات الأميركية والأوروبية والغربية، مثل نواب في الكونغرس الأميركي، وربما يوماً ما نجد منهم رجلاً أو سيدة في منصب وزاري أميركي رفيع، وزير أو وزيرة خارجية مثلاً... مَن يدري؟!
نشاط جمعيات في أميركا مثل «كير» ونهاد عوض، وفاعلات سياسيات مثل إلهان عمر وليندا صرصور، وترويج أفكار مثل الإسلاموفوبيا -بتفسيرها الإخواني طبعاً، وليس أصل الفكرة- من أدوات ونتائج الفاعلية الإخوانية في أميركا والغرب.
أوروبا، بقيادة فرنسا، تحاول اليوم، التملّص من حبال الإخوان اللزجة، وتحرير مسلميها من الأَسْر الإخواني، واحتكار تمثيل المسلمين، وهناك محاولات لا بأس بها في أميركا، مثل محاولة النائب الجمهوري تيد كروز، ومن معه، لكن هل تأخر الوقت حقاً؟!اً في بلدان كثيرة أخرى آخرها، حتّى الآن، إثيوبيا. وهناك طرد السكّان «المختلفين» من نطاق الدولة والمجتمع، كمسلمي الروهينغا في ميانمار ومسلمي الإيغور في الصين، وتعليق الدول في بلدان كثيرة تشقّها النزاعات الأهليّة، في انتظار تسويات خارجيّة قبل أن تكون داخليّة، وهذا ناهيك عن الفساد وتبديد الموارد حيث تنعدم الرقابة الشعبيّة والشفافيّة.
وهذان احتمالان متضادّان، واحد يحاول الصعود إلى ما بعد الدولة، وآخر يوالي الغرق فيما قبلها. وللأسف سوف يكون من الوهم والسذاجة افتراض الجمع بين المسارين هذين.