بقلم: مشاري الذايدي
مذكرات الأمير الأردني زيد بن شاكر، التي تنشرها صحيفة «الشرق الأوسط» على حلقات، مادة جميلة وجديرة بالتأمل والقراءة.
الأمير زيد قريب الملك الراحل الحسين بن طلال، وهو أحد قادته العسكريين الكبار، وقد كان في مقدمة الفاعلين العسكريين والسياسيين فيما يُعرَف في التاريخ العربي الحديث بـ«مواجهات أيلول الأسود» نهاية عام 1970 وبداية 1971. معارك خطيرة كادت تودي بالدولة الأردنية نفسها، وتثير حرباً أهلية بين المنظمات الفلسطينية ومَن يناصرها وبقية الشعب الأردني.
خلاصة الأمر أن المنظمات الفلسطينية المسلحة اتخذت من الأردن منطلقاً لنشاطها العسكري والسياسي، للدرجة التي كانت ميليشيات وديع حداد تخطف فيها الطائرات المدنية العالمية، وتوجّهها إلى الصحراء الأردنية!
هنا نجد شهادة مثيرة بعد مرور أكثر من 4 عقود على تلك المأساة، من شاهد عيان وشريك أساسي في القصة.
ومما جاء في مذكرات الأمير زيد بن شاكر، مساعد رئيس الأركان الأردني ورجل الملك حسين: «منذ البداية، كان رهان ياسر عرفات ومنظمة التحرير الحقيقي هو على الوعود السورية والعراقية بدعم عسكري حقيقي لإسقاط النظام السياسي الأردني. وهو ما انكشف مع التدخل البري الكبير للقوات السورية، كما اعترف صلاح خلف (أبو إياد) بحدوث اجتماع حضره مع ياسر عرفات بقيادات بارزة في حزب البعث والنظام العراقيين، هم عبد الخالق السامرائي، وزيد حيدر، ومهدي عماش، وكان حينها وزيراً للداخلية العراقية، وذلك في مايو (أيار)، أي قبل قرابة أربعة أشهر من أحداث (أيلول)، في قاعدة الحبانية. في ذلك الاجتماع، قال لهم الوفد العراقي: (نظموا محاولة انقلاب عسكري في الأردن، وستدعمكم الوحدات العراقية لقلب النظام وإقامة سلطة شعبية)، وهو العرض الذي لم يرفضه عرفات، لكنه طلب منهم منحه وقتاً لطرحه على السوريين، لإيجاد قدر من التنسيق الكامل بين الأطراف الإقليمية الراعية للفدائيين».
كما تحدثت المذكرات عن تفاصيل إغواء النظام البعثي السوري لـ«فتح» وغيرها من القوى الفلسطينية لإسقاط الحكم الملكي في الأردن والحلول محله، لكنّ الأردنيين أفلحوا في حماية الدولة والنظام. وكانت النتيجة بعدها خروج الجسم الفلسطيني المسلح من الأردن نهائياً، بعد أن كادت البلاد تطير في مهبّ العاصفة، والباقي معروف؛ رحلة لبنان ثم الحرب الأهلية هناك، ثم الرحلة التونسية محدودة العدد.
الدرس المستفاد من هذا كله أنه لا يمكن أن يتعايش منطقا الدولة واللادولة في آن، كما أن ثمة درساً آخر، وهو أن هذه الدسائس والوعود الكبيرة المبنية على أوهام «ثورية» أكبر، رغم مرور كل هذه السنين، ما زالت تفعل فعلها في بعض الفلسطينيين، ليس الشباب الصغير، بل حتى الهرم الكبير، كما فعل الصحافي الفلسطيني العريق الذي غنّى وهلّل هذه الأيام لتهديدات نصر الله الجوفاء... والله غالب.