بقلم: مشاري الذايدي
جدل مثير، قديم جديد، ذلك الذي ثار بمصر وفي الإعلام العربي تقريباً، بين شيخ الأزهر الشيخ د. أحمد الطيّب، ورئيس جامعة القاهرة د. محمد عثمان الخشت، في حوار بندوة نظمّها الأزهر في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي.
المفارقة أن الجدل جاء في أحشاء مؤتمرٍ كبيرٍ أقامه الأزهر عن «التجديد» بين ناقد التراث محمد عثمان الخشت، وشيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب، وغيره، حول دور التراث، ومسألة نقده والعلاقة به وصلاً أو فصلاً.
بكل حال، هذا الجدل ليس جديداً، بل يكاد يكون هو السؤال المركزي، سؤال الأسئلة، في الثقافة العربية والإسلامية منذ نحو القرن ونصف القرن، بل أكثر، غرست بذوره في البداية بالقارة الهندية؛ حيث كانت دولة المُغل الإسلامية أول الدول التي تسقط أمام سلطة «كافرة» وتواجه، ومعها مسلمو الهند، سؤالاً كبيراً حول الهوية والذات، وتفرع عن ذاك السؤال يمين ويسار ووسط هندي، في التعامل مع التراث، وولّد ذلك لدى الباحثين ما عرف بمشكلة «الإسلام الهندي».
انتقل الجدل لاحقاً لدى المسلمين والعرب بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، مع تواتر الهجمات الغربية «الإفرنجية» على ديار المسلمين والعرب، ومع بداية تيار الدستور الغربي في الدولة «العليّة» العثمانية، وسال في ذلك حبر كثير مثير غزير خطير.
من أهم المنشغلين بهذه القضية من المثقفين المسلمين الكبار اليوم، البروفيسور اللبناني رضوان السيد، ولديه، وما زال، إسهامات متميزة في هذا الجدل.
علّق في هذه الصحيفة، وهو على علاقة شخصية بالمتجادلين، محمد عثمان الخشت والشيخ أحمد الطيب، بمقالتين، يحسن الاطلاع عليهما.
مما قاله رضوان السيد، بعد خبرة السنين: «إن (أشكلة) التراث ونقده أو نقضه صار موضة لدى راديكاليي المثقفين، كما صار لعن العلمانية عقيدة لدى الإسلاميين».
لكنه بنفس السياق يؤكد أن «الإسلام السني والشيعي جسدٌ ضخمٌ، لكنّ رأسه صغير، بمعنى أنه ما ظهر علم كلامٍ جديد، وكان ضرورياً أن يظهر».
أفاض السيّد في مذاهب المثقفين العرب حول الموقف من التراث، وكذا الحركات السياسية، بين نابذ داع للقطيعة الكبرى، ومتبّنٍ بالمطلق لهذا التراث، ومتوسط بين الحالين. لكن السيّد يشير لمسألة مهمة، هي أن الفقهاء، الحذقة طبعاً، بالفعل أحدثوا تجديداً في مسائل العقيدة الإسلامية، دون أن يقصدوا ربما، أثناء ردّهم على جماعات الإرهاب الديني، وضرب الأمن والدولة، أو مهاجمي التراث العلمانيين، حول قضية المواطنة والعلاقات الدولية والعلاقة بالطوائف والمرأة... إلخ.
يختم رضوان السيد بعبارة مؤثرة، إذ قال: «أنا قارئٌ وباحثٌ قديم في النص التراثي، وسأبقى كذلك. سأبقى محباً للغزالي والأشعري وابن تيمية وابن عربي والطبري والمتنبي على اختلاف ما بينهم، وإلا فكيف أكون عربياً مسلماً؟».
هكذا تحدث الأستاذ الكبير، أو هكذا حاولت كبسلة كلامه، لكن هل يجوز وضع أسئلة واستطرادات على هامش كلام رضوان في جدل التراث؟
للحديث بقية...