بقلم: مشاري الذايدي
ديسمبر (كانون الأول) الماضي 2019 كانت لحظة الذروة في الانكشاف السياسي «الخارجي» للزعيم الماليزي المسنّ (95 عاماً) مهاتير محمد، حين اتفق مع التركي والقطري والإيراني، لشقّ منظمة التعاون الإسلامي، وخلق محور سياسي إسلامي بديل، الجامع بين أعضائه هو نصرة «الإخوان» وإيران.
أخفق مسعاه، وتعثرت خطاه، وحاول الترقيع والتلفيق لاحقاً، لكن سبق السيف العَذَل، وأبان، مبكراً، عن المعسكر الذي ينتمي إليه.
هو ظاهرة سياسية، وحاكم تاريخي، بمعنى طول المدة، لماليزيا منذ 1981 حتى 2003. لكنَّه بعد خروجه من الحكم، لم يكفَّ عن التدبير والتأثير، وممارسة دور الزعيم «المرشد» الخفي.
انقلب على تلميذه ونائبه وصنوه في الانتماء السياسي والفكري، أنور إبراهيم، و«بهدله» وسجنه ولطَّخ سمعته بتهمة الشذوذ الجنسي، ثم عاد وعقد معه حلفاً قبل عامين، لإطاحة رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق، على أن يحكم مهاتير فترة يسيرة ثم يخلفه أنور، لكن الأخير في مقابلة مع وكالة «بلومبرغ»، تشكَّك في وفاء الشيخ مهاتير بوعده.
اليوم مهاتير (أو محاضر) غاضب من تولي وزير الداخلية الماليزي السابق محيي الدين ياسين رئاسة الوزراء، بعدما أقسم اليمين أمام ملك ماليزيا، واعتبر مهاتير محمد الذي استقال الاثنين أنَّ تنصيب ياسين «غير قانوني»، وأنَّنا لا نعيش في «دولة القانون»، ولست أعلم لم تذكرت دولة القانون التابعة للدعوي العراقي نوري المالكي؟!
مراقبون يتحدثون عن أنَّ مهاتير كانَ يخطط لتأبيد تركته السياسية، من خلال توريث السلطة لنجله رجل الأعمال مخريز مهاتير، أو لصديقه محمد عزمين علي مسؤول حقيبة الشؤون الاقتصادية، ورئيس حكومة ولاية سيلينغور، سابقاً حسب رصد المتخصص البحريني د. عبد الله المدني.
د. عبد الله يخبرنا عن سبب مثير من أسباب محاربة مهاتير وأعوانه للرئيس السابق نجيب عبد الرزاق، الذي لوالده الزعيم الماليزي تون عبد الرزاق، فضل سياسي خاص على مهاتير، هو يعترف به.
السبب هو، حسب بعض وسائل الإعلام الماليزية، السياسات الخارجية التي انتهجها عبد الرزاق، فيما خص علاقات التحالف الاستراتيجي بين ماليزيا والسعودية وبقية دول الخليج العربية.
بكل حال، وبحكم الزمن الذي لا يعانده أحد، فإنَّ مهاتير - رغم أنه لا مناص من الإقرار له بإحداث نهضة اقتصادية ماليزية - راحل، لكن الأهم هو معرفة هل سيرحل لونه السياسي الموالي للخط الإخواني - الإيراني معه؟!
وأهمُّ من ذلك، فإنَّ مغامرات مهاتير السياسية في خريف العمر، ومثله صديقه التركي رجب طيب إردوغان، تثبت أنَّه لا يصح في نهاية النهار إلا الصحيح، والصحيح هو صدق الطوية وجلب النفع للرعية، والكفّ عن الإدمان على رضاعة الأوهام التاريخية السياسية.