توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا لا نعدم التاريخ حتى يرضى المتظاهرون؟

  مصر اليوم -

لماذا لا نعدم التاريخ حتى يرضى المتظاهرون

بقلم: مشاري الذايدي

الهستيريا التي أصابت جسد العالم بالحمّى إثر أمواج المظاهرات المناصرة لحياة السود في العالم (حياة البشر كلها مهمة بكل ألوانهم بالمناسبة)، وصلت إلى تغيير التاريخ القريب والبعيد، ليس تغييره وحسب، بل الوصاية عليه، وإعادة توجيهه بما يروق لمسيّري هذه الفوضى العالمية - التي بعضها مدفوع بشعور إنساني نبيل، لا ريب فيه - لكن بعضها الكثير مدفوع برغبة تدميرية عميقة ضد كل ما هو موجود في هذا العالم.
مشهد الاعتداء على تماثيل «رموز» الأمة الأميركية مشهد يفصح عن النيات التي تحرك كثيراً من هذه الجموع الموتورة، وخلفها تأسيس فلسفي وتنظير فكري خلاصته «الانقلاب» على العالم القائم. من مظاهر هذه الوصاية المتطرفة، على حلبة الدراما، ما فعلته شركة عملاقة في هذا المجال، حيث تجرأت على إزالة «أهم» فيلم أميركي على مرّ العصور، وأيقونة كلاسيكيات السينما المصرية، وهو فيلم «ذهب مع الريح» الذي حصد 10 جوائز أوسكار، وحقّق أعلى إيرادات مالية، بالنسبة لمقاييس عصره؛ أخذاً بمعدلات التضخم الآن.
نعم أزالت منصة (إتش بي أو ماكس) فيلم «ذهب مع الريح» استجابة لدعوات مطالبة بحذفه من خدمة البث. وقالت الشركة إن الفيلم الذي أنتج عام 1939 كان «عملاً مناسباً لعصره، لكن مواصلة عرض الفيلم من دون توضيح وإدانة القضايا المصورة بشكل عنصري... ستكون عملاً غير مسؤول».
استدرك بيان شركة الإنتاج والعروض العملاقة (إتش بي أو ماكس) فقال: «لكن الفيلم سيعود للعرض كما أنتج في الأصل لأن منع ذلك يعني إنكار التاريخ».
هذا النهج التدخلي «الوصائي» ليس حكراً على هذه الشركة، فقد جرت على سيرتها شركة (ديزني+) ووجهّت عناية المشتركين إلى أن بعض أفلامها القديمة قد تحوي «مفاهيم عفّى عليها الزمن». هذه وصاية فجّة مفتعلة على الماضي، وعسف له لكي ينحشر في ثوب الحاضر، الضيق، واستنزاف لهذا الماضي في محالب الطلب السياسي الهائج اليوم. الماضي هو الماضي، بكل قيمه ومناخه وحسنه وقبحه ومعاييره أيضاً، أنا لست أفهم لماذا يجب علينا ترويض الماضي وتطويعه لكي يعيد هندمة نفسه ليناسب مرآة الحاضر، أو جزء من الحاضر، جزء صاخب محمي من شبكة واسعة من مثقفي اليسار والفوضوية ومؤسسات هذا التيار.
بهذه الطريقة، هل علينا شطب التاريخ الروماني من الذاكرة وطمس تماثيل أباطرة الرومان الذين غزوا كل الأرض واستعبدوا وسبوا؟! فهم، وعصرهم وثقافتهم، لا علاقة لهم بمعايير المتظاهرين اليوم، ولا بمعايير نشطاء هوليوود، ومديري «نتفليكس»، و«إتش بي أو ماكس»، و«ديزني» و«آبل» و«غوغل» و«تويتر» و«فيسبوك»؟!
ضربت مثلاً فقط بالحقبة الرومانية، لأنها حقبة مؤسسة للوعي الغربي التاريخي بذاته الحضارية، ولأنه يجب عليهم، أقصد بعض الساسة المنافقين لهذه الجموع، تدمير التاريخ الروماني وتماثيله في كل أوروبا، حتى يرضى عنهم الغاضبون.
يحمد - مهما كان كرهك له - للرئيس الأميركي دونالد ترمب، أنه واجه هذه الموجة الهستيرية بشجاعة، وقرر التصدي لها، وجهاً لوجه... لأن مسايرة الغوغاء الحانقين، للأخير، يعني فناء التاريخ... والحاضر... والمستقبل أيضاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لا نعدم التاريخ حتى يرضى المتظاهرون لماذا لا نعدم التاريخ حتى يرضى المتظاهرون



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon