بقلم: مشاري الذايدي
الجدل الذي يرافق دوماً الأعمال الفنية التاريخية، عالمياً، بشكل أخصّ عندنا في منطقة الشرق الأوسط، يكشف إلى أي درجة هذا التاريخ هو الحاضر الغائب والقديم الجديد والشاهد الدائم، بل يكشف كم هو التاريخ كائن حي يتنفس ويتحدث ويرضى ويغضب بل ويتشكل بأشكال جديدة كل آن وحين.
درجت الدعاية التركية في العهد الإردوغاني على توظيف الدراما لترويج وجهة النظر التركية بطبعتها «العصمنلية» في العالم العربي، وغير العربي، لنقل في العالم العثماني القديم، مثل المناطق الإسلامية في البلقان والجنوب الأوروبي الشرقي كما في بعض مناطق العالم التركي القديم.
غير أن الجديد في العقد الأخير من السنوات هو تحول الدراما التركية العصمنلية لوضعية الهجوم الشامل على المنطقة العربية، أولاً من خلال ترويج بطولات الأمن التركي المعاصر، بنسخة تشبه نسخة العميل البريطاني السري جيمس بوند، من خلال المسلسل المسهب «وادي الذئاب» ثم التحول لاحقاً نحو النبش والتقليب في التاريخ التليد، منذ مؤسس السلالة العثمانية «أرطغرل بيك» الذي صنعوا عنه عشرات الحلقات ونصبوها على منصة «نيتفلكس» الشهيرة التي يقبل عليها متفرج العصر الحديث، مع نظيراتها من منصات البث الجديد، ثم مسلسل خاص عن «الفاتح»، وكلها مقاربات منحازة بشكل جلي للجانب العثماني «الحديث» من الراوية مع «تحابيش» بصرية وموسيقية مرفوقة بأزياء وإكسسوارات تعبوا عليها كثيراً.
لم نجد رداً عربياً على ذلك، مع استثناءات يسيرة مثل مسلسل «ممالك النار» الذي حاول تقديم الرواية المصرية «الوطنية» الحديثة لكيفية الاقتحام العثماني لأرض مصر قبل قرون في عهد سليم ياووز، والعجيب الذي يكشف خطورة التغلغل العالمي التركي العصمنلي «الحديث» هو حيرة صانعي العمل في كيفية وضع المسلسل على منصات البث الشهيرة مثل «نتفليكس»، ومعنى ذلك أن النفوذ الدرامي التركي العالمي استثمر كثيراً في علاقاته العالمية، هذا إن لم نتحدث عن تآزر مقصود مصنوع بوعي تام، يرجعنا إلى التحالفات السياسية العالمية التي نرى بصماتها كل حين علينا، في كل مجال، ومن ذلك مجال القوة الناعمة.
قبل أو مع تركيا حاولت إيران الخمينية الاستثمار في هذا الميدان من خلال أعمال لا بأس بها من الناحية الشكلية، بل وصدّرت خبرتها لأتباعها مثل «حماس» الخمينية - الإخوانية التي أفادت من الصناعة الإيرانية الفنية، كما رصد ذلك خبراء عن مسلسل رمضاني يعرض هذه الأيام مصنوع في غزة، كله تمجيد في «حماس» على طريقة الدعاية الإيرانية الخمينية.
الحرب تكسب نصفها أو أكثر من نصفها في الميديا والفنون، لذلك فالرد العربي وغير العربي المتضرر من غزوات الخمينية والإردوغانية، ما زال ضعيفاً هزيلاً:
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً / كنقص القادرين على التمام