توقيت القاهرة المحلي 11:15:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكرى النكبة وخروج العرب من التاريخ

  مصر اليوم -

ذكرى النكبة وخروج العرب من التاريخ

بقلم - مصطفى كامل السيد

ذكرتنى أحداث الأسبوع الماضى بالكتاب المثير للشجن الذى جاد به المرحوم الدكتور فوزى منصور فى أواخر السبعينيات من القرن الماضى، واختار له هذا العنوان الحافل بالدلالات وهو خروج العرب من التاريخ، وكان كتبه بعد زيارة الرئيس السادات الشهيرة لإسرائيل وما أعقبها من معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل، فقد حملت تلك الأحداث دلائل جديدة على صحة تحليل الدكتور منصور. فها هى تلك القوى الدولية والإقليمية تكتب بأفعالها تاريخ العرب، وهم يتفرجون على ما يجرى لهم دون أى رد فعل. كدنا ننسى الهجوم الذى شنته طائرات وصواريخ القوى الغربية الثلاث على سوريا بدعوى أن نظام بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه فى الغوطة الشرقية وذلك دون أن تحصل تلك الدول على تفويض من الأمم المتحدة ودون انتظار لتحقيق من خبراء المنظمة المعنية بالقضاء على الأسلحة الكيماوية، وهو ادعاء لم تثبت صحته حتى هذه اللحظة، وتكررت الغارات الإسرائيلية على سوريا دون أن يكون هناك أى موقف شجاع من أى دولة عربية يدين هذه الغارات، وانحازت الإدارة الأمريكية للموقف الإسرائيلى من الاتفاق الدولى الخاص ببرنامج إيران النووى وأعلنت انسحابها منه، وسارعت حكومات عربية عديدة وخصوصا فى الخليج وساقت معها الجامعة العربية لكى تطالب جميعها إيران بالالتزام باتفاقية حظر الأسلحة النووية وضرورة معاودة النظر فى ذلك الاتفاق الذى أكدت وكالة الأمم المتحدة للطاقة الذرية على التزام إيران الكامل به، وأغفلت تلك الحكومات العربية أولا أن كل الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق بما فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبى وروسيا والصين شددت على ضرورة الحفاظ على الاتفاق. ونسيت ثانيا أن الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى تملك سلاحا نوويا هى إسرائيل، وكما تستمر دول أستانة الثلاث روسيا وإيران وتركيا فى اجتماعاتها لتقرير كيف توزع نفوذها على أراضى سوريا، تنشغل بعض الدول العربية بالبحث فى كيفية الاستجابة للاقتراح المهين من الرئيس الأمريكى بأن تحل هذه الدول محل القوات الأمريكية فى سوريا بل وأن تمول وجود القوات هناك إن لم ترسل هى قواتها. وبينما يواصل الشعب الفلسطينى احتجاجاته السلمية على استمرار الاحتلال الإسرائيلى لأراضيه والحصار الذى تفرضه إسرائيل على غزة وتجاهلها لحقوقه المشروعة فى تقرير مصيره، وتستعد إسرائيل للاحتفال بذكرى إنشائها السبعين والذى يتوج بافتتاح سفارة أمريكية فى القدس تجاهلا لقرارات دولية بخصوص وضعها ــ نجد الحكومات العربية لا تملك سوى العبارات المحفوظة المكررة تدارى بها عجزها أمام هذه الحقائق التى تواصل إسرائيل تنفيذها على الأرض. بل وتسمح الحكومة المصرية لسفارة إسرائيل بالاحتفال بتلك الذكرى للمرة الأولى فى قلب العاصمة المصرية على بعد خطوات من جامعة الدول العربية، وكأن خيالها لم يسعفها بحجة تعتذر بها عن قبول تنظيم ذلك الاحتفال فى ذلك المكان. وليس من المقبول القول بأن الاتفاقية الموقعة مع إسرائيل تعطيها الحق أن تفعل ما تشاء فى مصر متجاهلة تماما مشاعر الشعب الذى قبل صاغرا هذه الاتفاقية.

• لماذا خرج العرب من التاريخ؟

هذا الخروج للعرب من التاريخ المعاصر هو حديث للغاية. كانوا موضع احترام العالم عندما تضافروا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلى لأراض عربية فى أكتوبر 1973، كل بحسب ما يقدر عليه. حارب من حارب، وقدم الآخرون له مساعدات شتى، اقتصادية من البعض وصلت إلى قطع النفط عن الدول المساندة للعدوان، وجاء التضامن الشعبى والدبلوماسى من الجميع، واجتذبوا إعجاب العالم بثوراتهم على الحكومات المستبدة والفاسدة فى 2011، ضاع مشهد التضامن، وأصبحت أقلام كثيرة تشير إلى ما جرى فى شتاء 2011 على أنه مؤامرة.

أسباب خروج العرب الحديث من التاريخ عديدة، منها انشغال العديد من حكوماتهم وشعوبهم بنزاعات داخلية. ودخل البعض الآخر فى نزاعات مع دول عربية أخرى، والأمثلة على كل ذلك واضحة. كما أن من أسباب هذا الخروج التبعية الكاملة لقوى خارجية إقليمية ودولية فبقاء عدد من النظم العربية رهن بإرادة قوى فى الإقليم أو خارجه. لم يستطع النظام السورى الصمود فى وجه ثورة شعبية بدون الدعم العسكرى الذى قدمه الاتحاد الروسى بعد كل من إيران وحزب الله حليفها فى الشرق العربى. ومع ما جاء من إهانة من جانب الرئيس الأمريكى الذى صرح بأن بقاء بعض النظم العربية هو نتيجة ضمان الولايات المتحدة لأمنها، فهو لم يكن يتجنى كثيرا على الحقيقة للأسف الشديد. ومع أن هذا الاعتماد على السند الخارجى ليس صارخا فى حالات أخرى، إلا أنه لا شك أن الحاجة للسلاح وللمساعدات الاقتصادية أو رءوس الأموال الأجنبية أو حتى الغذاء المستورد تقف قيدا على حرية دول عربية أخرى فى صنع سياساتها الخارجية بل والداخلية كذلك.

على أن أخطر أسباب هذا التهميش الذى ارتضته النظم العربية لمكانتها الإقليمية والدولية هو دخولها فى تحالفات غير مسبوقة مع عدوها التاريخى توهما أنه يمكن أن يسدد الضربة القاضية لطرف إقليمى آخر تناصبه العداء بينما كان نفس هذا الطرف الإقليمى حليفها الموثوق فى ظرف تاريخى سابق. وهكذا دخلت أربع من الدول الخليجية فى تحالف وثيق ولأسباب مختلفة مع إسرائيل. كل من السعودية والإمارات والبحرين تصورًا منها أن إسرائيل يمكن أن تشن حربا مع إيران تنهى وجود نظام الجمهورية الإسلامية خدمة للمصالح المشتركة بينها والدول الخليجية. ودخلت قطر فى علاقات بعضها علنى مع إسرائيل تصورًا منها أن ذلك يعزز دورًا إقليميا لها فى مواجهة جيران أقوياء مثل السعودية وإيران. وبينما تؤكد دوائر إسرائيلية وبعضها رسمى أن ما تسعى إليه إسرائيل هو تحديدا ردع إيران عن مد نفوذها الإقليمى، وأن شنها حربا على إيران هو غير محتمل، تتمادى حكومات خليجية فى إرضاء إسرائيل بزيارات على أعلى مستوى لم تعد سرا، وبتخاذل واضح فى تأييد الحقوق الفلسطينية يصل إلى حد قصر ولى العهد السعودى الخلاف مع إسرائيل بشأن القدس على كونه يتعلق فقط بالإشراف على الأماكن المقدسة فيها، متجاهلا إقرار المجتمع الدولى بأن القدس العربية هى أرض محتلة. ولذلك تحرص هذه الدول على ألا تغضب إسرائيل، فتمارس الضغوط على القيادات الفلسطينية لقبول ما تسميه صفقة كبرى لا تحقق مطالب الشعب الفلسطينى المشروعه فى إقامة دولته على أراضيه المحتلة وعاصمتها القدس، وتتجاهل اعتداءات إسرائيل المتكررة على سوريا.

وبينما كان من المتصور أن يكون وجود تنظيم جامع للدول العربية هو الإطار الذى يجرى فيه النقاش حول الخلافات العربية بغية الوصول إلى مواقف مشتركة تتفق على الأقل مع الحد الأدنى للمصالح العربية المشتركة، سقطت الجامعة العربية ذاتها ضحية لهذه الخلافات، وأصبحت أداة لبعض هذه الدول فى مواجهة دول عربية أخرى. فساندت الجامعة العربية تدخلا دوليا ضد ليبيا ليس اعتراضا على الحكم الفردى الذى كان يمارسه معمر القذافى، ولكن لأن تلك كانت رغبة الدول الغربية فى ذلك الوقت. وبدلا من الإبقاء على الجامعة العربية إطارا لمناقشة الخلافات مع النظام السورى قررت الأغلبية المسيطرة على الجامعة العربية طرد الحكومة السورية من الجامعة، وبذلك فقدت أى فرصة للتواصل مع النظام السورى، وللمشاركة فى تسوية سياسية محتملة للنزاع المسلح الجارى على أرضه، بل ذهب بعضها أبعد من ذلك وصار يمد السلاح والمال والدعم السياسى للجماعات المسلحة التى تقاوم هذا النظام، ومنها جماعات يجمع المجتمع الدولى وبعض الدول العربية على كونها جماعات إرهابية. ومع الهزائم المتلاحقة التى واجهتها هذه الجماعات فى سوريا بعد العراق لم يعد للدول التى كانت تساندها أى ثقل أو وجود فاعل لها فى تقرير مصير سوريا.
***

فى ظل هذه الأوضاع لم يعد للعرب دور فى تقرير مصير أوطانهم، وأصبح الوطن العربى كله مباحا لقوى أجنبية منها إقليمية ودولية، تمارس بسط نفوذها عليه، بعضها يرسل قواته لتسيطر على ما تسمحه لها القوى المنافسة، أو تكيل الضربات لجيوشه، أو تهدد مصالحه الحيوية فى المياه أو الغاز الطبيعى أو النفط، أو تجتهد فى رسم حدوده كما يروق لها. وهكذا ففى غياب إرادة عربية فاعلة لم يعد يقتصر الأمر على خروج العرب من التاريخ، بل إنه مع السيطرة الأجنبية الزاحفة على أقاليمهم، يوشك الأمر بأن يخرجوا أيضا من الجغرافيا.

• هل يملك المثقفون العرب دورا يعيد العرب إلى التاريخ؟

هل من ثمة أمل فى هذه الظروف أن يتغير هذا الوضع، وأن تعود للعرب إرادة واحدة فاعلة تجعلهم يملكون اليد الطولى فى تقرير مصير وطنهم؟ لا يبدو أن ذلك وارد على جدول أعمال أى من الحكومات العربية فى الوقت الحاضر ولا فى المستقبل المنظور. فهل يقدم المثقفون العرب البديل. فى مناسبات سابقة أخذ المثقفون العرب المبادرة. لعبوا دورا مهما فى الثورة العربية الكبرى أثناء الحرب العالمية الأولى، وتنادوا على الدعوة للديمقراطية فى ثمانينيات القرن الماضى، فهل يحملون راية الدعوة لنفض الخلافات العربية العربية والالتقاء على ما يجمعنا ويهدد مصيرنا المشترك، إن لم يكن بالعمل السياسى المباشر فعلى الأقل من خلال استنهاض الوعى بخطورة أوضاعنا هذه بالتحليل الصادق وببعث الأمل فى نهضة جديدة؟. نعم هذا حلم متواضع لأن همنا ثقيل.


نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكرى النكبة وخروج العرب من التاريخ ذكرى النكبة وخروج العرب من التاريخ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon