توقيت القاهرة المحلي 05:21:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نظرة واحدة وكفى

  مصر اليوم -

نظرة واحدة وكفى

بقلم:عاطف بشاى

هو درة غالية من درر الإبداع التمثيلى، وواحد من ألمع نجوم السينما العظام على مدار تاريخها منذ الأربعينيات من القرن الماضى.. فقد برز بطَلّته الجذابة وحضوره الطاغى وتميز بأناقته الدائمة ووسامته البادية وقدرته الفائقة على التعبير الأخاذ والانفعال البراق، الذى يَشِى بموهبته الكبيرة فى أداء مختلف الشخصيات التراجيدية والكوميدية المتنوعة، وحصاده فى رحلته الفنية الخصبة يتجاوز (270) فيلمًا و(20) مسلسلًا.. ومَن ينسى أدواره البارزة فى (المذنبون- المرأة المجهولة- الرجل الذى فقد ظله- الكرنك- المستحيل- اللص والكلاب- الإرهاب والكباب) ومسلسلات (زينب والعرش- هند والدكتور نعمان).سعدت أن يجسد لى «كمال الشناوى» دور البطولة فى مسلسل (الأب)، الذى كتبت له القصة والسيناريو والحوار مع (دلال عبدالعزيز- وأحمد عبدالعزيز- ومحمود قابيل) وأخرجه «حسن بشير».

فبعد انتهائى من كتابة حلقات المسلسل، شرعت أنا والمخرج فى اختيار الممثلين الملائمين لأدوار المسلسل (كنا فى ذلك الزمن الجميل- قبل أن ينقلب الهرم- يقوم المؤلف ومعه المخرج باختيار الممثلين بعد الانتهاء من كتابة النص.. بينما الآن فإن البطل المرشح للعمل من المنتج هو الذى يختار المؤلف والمخرج والممثلين ابتداء من الأدوار الرئيسية والثانوية حتى الكومبارس وكذلك مدير التصوير والمونتير ومؤلف الموسيقى التصويرية والماكيير والعمال..). اقترح المخرج عدة أسماء كبيرة تلائم من وجهة نظره شخصية البطل.. ولكنه فوجئ بى أرشح الفنان الكبير «كمال الشناوى».. وعبر عن دهشته متصورًا أن هذه النوعية من الأدوار لا تناسبه، فملامح الطيبة والود والعطف الأبوى وتعبيرات الصدمة والانكسار وتأثير محنة ما يلاقيه من أحداث قاسية لا تَشِى بها ملامحه، التى تعودت على نوعية أخرى تمامًا من الأدوار، (يقصد أدوار الشر بتنويعاته المختلفة التى برع فى أدائها «كمال الشناوى»).. ولكننى كنت أرغب فى البُعد تمامًا عن النمطية فى اختيار الشخصيات. وقلت له إن ممثلًا عظيم الشأن مثل كمال الشناوى لا يمثل فقط أدوارًا اعتادها، بل هو قادر على التنوع والابتكار والتقمص وشحذ إرادته وتحدى موهبته أن تبرز وتزدهر وتتألق فى شخصيات متنوعة أسوة بفنانين عالميين فعلوا ذلك.. قرأ «كمال الشناوى» الحلقات، ووافق بترحاب على تجسيد الشخصية.. لكنه اشترط أن يقرأ معى كل الحلقات قبل التصوير، فحددنا مواعيد ثابتة استغرقت أيامًا طويلة ناقشنى فيها فى كل التفاصيل بدقة بالغة، بالإضافة إلى أنى اعتدت منه أن يُهاتفنى يوميًّا فى تمام الساعة السابعة صباحًا.. يُحدثنى فى كل الأمور السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية وأحوال الدنيا وذكرياته الجميلة فى رحلته الفنية وما يَعِنّ له من ملاحظات خاصة بالحلقات سواء فيما يتصل بدوره أو بأدوار الآخرين.

قبل تصوير مشهد يسمى بلغة السينما «ماستر سين»، أى مشهد إجبارى لا يمكن الاستغناء عنه لأهميته فى تطوير الأحداث أو إنشاء الصراع.. أو فى تحديد مصير إحدى الشخصيات.. جلست بالقرب منه فى الاستوديو أرمقه وهو يقرأ المشهد باهتمام.. ثم ما لبث أن رفع عينيه عن الأوراق، ومال علىَّ مُردِّدًا بصوت خفيض مُقرِّرًا أنه لن يؤدى ذلك المشهد بحواره الطويل هذا الذى احتل مساحة لا تقل عن صفحتين.. فزعت وانفعلت وقلت له باستنكار: كيف وهو مشهد أساسى بينك وبين ابنك.. تواجهه بخيبة أملك فيه وفى زواجه بمريضة بمرض نفسى وفشله فى علاجها وعدم اكتشافه ذلك رغم أنه طبيب نفسى.. فتزوجها باعتبار أنها أصبحت إنسانة سوِيّة.. وذلك فى حد ذاته مفارقة تعسة.. ومدى انعكاس مرضها النفسى بالسلب فى طريقة تعاملها مع طفلها الصغير.. وأن عليه أن يتخذ موقفًا من كل ذلك؟!.. قال لى: سوف أعبر عن كل ذلك بنظرة طويلة لابنى فى لقطة قريبة لوجهى.

قلت له فى ضيق: لا أعتقد أن هذا كافٍ.. وسألته مُتشكِّكًا: هل تجد صعوبة فى حفظ الحوار؟!.. نظر لى فى عتاب وأكد: إطلاقًا، لكنى أرى أن التعبير الصامت هذا أقوى تأثيرًا وأعمق فى قيمته وفحواه.. ثم أكد لى بتواضع جم أنه على استعداد أن يصور المشهد مرة أخرى كما كتبته دون أن يحذف منه كلمة واحدة إذا لم يَرُقْ لى ولم أقتنع بطريقة أدائه التى اقترحها.. وافقت على مضض.. ودارت الكاميرا.. وبدأ المشهد ببضع كلمات لابنه، الذى يمثل دوره الفنان «أحمد عبدالعزيز» يشرح فيها ظروف ملابسات زواجه من «دلال

عبدالعزيز».. و«كمال الشناوى» مطرق حزين، تقترب منه الكاميرا فى حركة (زووم إن) بطيئة حتى لقطة لوجهه، فيرفع رأسه إلى ابنه بمزيج مدهش من تعبيرات مختلفة من الأسى والأسف والحنو والشفقة والإحساس بخيبة الأمل واليأس والخوف والقلق والتوجس من مستقبل علاقته بتلك الزوجة.. وما إن انتهى تصوير المشهد حتى صفقت له بحرارة.. وصفق كل الموجودين بالاستوديو.. وصِحْت بانبهار: كم أنت ممثل فذ.. لقد قلتَ بنظرة عينيك الصامتة ببلاغة واقتدار كل المعانى التى أوردتها فى الحوار وأيضًا التى لم أُورِدْها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرة واحدة وكفى نظرة واحدة وكفى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon