بقلم : محمد شومان
كما هو متوقع، فاز الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أخيراً بولاية جديدة. لم تقع مفاجآت في الانتخابات الرئاسية المصرية التي أجريت في سياق خلا من مرشحين قادرين على المنافسة، مع رغبة قوية من أجهزة الدولة وفي مقدمها الإعلام في زيادة نسبة المشاركة، وهي بلغت 41 في المئة من مجموع الناخبين الذي يصل إلى 59 مليون ناخب. حصد السيسي 21.8 مليون بنسبة 97 في المئة وجاءت الأصوات الباطلة في المرتبة الثانية بمجموع مليون و762 ألفاً بنسبة 7.27 في المئة من إجمالي الأصوات. أما المرشح المنافس للسيسي فقد جاء في المرتبة الثالثة وحصل على نحو 660 ألف صوت بنسبة 2.92 في المئة من الأصوات الصحيحة. كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية عام 2012 هي 51.8 في المئة، انخفضت إلى 47.5 في المئة في الانتخابات الرئاسية عام 2014، ثم إلى 41 في المئة في الانتخابات الأخيرة. من هنا أعتقد أن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة جاءت معقولة للغاية في ضوء السلوك الانتخابي للمصريين والذي يتسم بمشاركة ضعيفة أو متوسطة في أحسن الأحوال، إضافة إلى أن الانتخابات كانت أقرب إلى الاستفتاء منها إلى الانتخابات التعددية. كما لم تكن هناك حوافز أو تهديدات خطيرة تدفع غالبية المصريين إلى المشاركة، ربما باستثناء وجود دعوات من «الإخوان» وبعض القوى المدنية المعارضة وأحزاب اليسار للمقاطعة. على أي حال، حقق الرئيس السيسي فوزاً سهلاً أكد به حالة الاستقرار وعودة قوة الدولة، وأكد أيضاً استمرار شعبيته ومشروعيته في الحكم لفترة ثانية تمتد حتى 2022، لكن هذا الانتصار يواجه في السنوات الأربع المقبلة عدداً من التحديات التي أمكن تأجيلها أو منحها أولوية منخفضة في السنوات الأربع السابقة من حكم الرئيس السيسي، ولعل أهم هذه التحديات: -أولاً: تحدي تحسين الأوضاع الاقتصادية بنسب يشعر بها معظم المواطنين ويتضمن ذلك خفض معدلات البطالة والسيطرة على موجات الغلاء والتضخم وتحسين الخدمات المقدمة من الدولة للمواطنين في المجالات كافة. لقد كان الرئيس السيسي صريحاً مع المصريين عندما تحدث عن الظروف الاقتصادية الصعبة وضرورة أن يتحمل الجميع نتائج الإصلاح وتداعياته، والحرب على الإرهاب، وتحمّل المصريون – بخاصة الفقراء والطبقة الوسطى – في صمت فاتورة خفض قيمة الجنيه والغلاء وراهنوا على المستقبل، وبالتالي صار من حقهم الشعور بالتحسن خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة، وأعتقد أن هناك ما يشجع على توقع هذا التحسن في ضوء تحسن مؤشرات الأداء الاقتصادي الكلي وانخفاض معدلات التضخم واتجاه البنك المركزي لخفض نسب الفائدة على الودائع تشجيعاً على الاستثمار.
ثانياً: دعم العمل السياسي وتنشيطه من خلال توسيع المجال العام والسماح بالتعدد والتنوع في الإعلام وإبداء قدر أكبر من التسامح مع الأصوات المعارضة في الداخل، والبحث عن آليات جديدة لدعم الحياة الحزبية والحفاظ على استقلال وفاعلية المجتمع المدني، ولا شك في أن استعادة عافية الدولة ونجاحها في مواجهة «الإخوان» وقرب حسم المعركة ضد الإرهاب، فضلاً عن تحسن الأوضاع الاقتصادية؛ ستساعد على استعادة التوازن بين متطلبات الأمن ومحاربة الإرهاب من جهة والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان من جهة ثانية. ولا شك في أن هذا التوازن من شأنه تحقيق الحكم الرشيد وتفعيل الرقابة المجتمعية. وفي هذا السياق، قد يكون من المناسب التفكير في تشكيل حزب سياسي كبير داعم للرئيس السيسي. وعلى رغم أخطار وسلبيات تشكيل حزب لرئيس في السلطة، إلا انه قد يكون أفضل من الاعتماد على أجهزة الدولة ووسائل الإعلام في دعم مشروعات الرئيس وبرنامجه الطموح.
ثالثاً: تحدي احترام الدستور والالتزام بمواده وعدم المساس بها أو محاولة تعديلها خصوصاً في ما يتعلق بتحديد فترات الرئاسة بفترتين كل منهما أربع سنوات، حيث ارتفعت بعض الأصوات تطالب بتمديد رئاسة السيسي وتعديل الدستور بحيث يسمح للرئيس السيسي فقط وبشكل استثنائي بالحكم مدى الحياة. والمفارقة أن الرئيس السيسي نفسه رفض هذه الأفكار وأعلن بوضوح أنه سيكتفي بفترتين رئاسيتين. لكن يبدو أن إنجازات السيسي وشعبيته شجعت بعض الأشخاص على طرح هذه الأفكار في محاولة للتقرب من الرئيس. والحقيقية أن غالبية مواد الدستور الحالي والصادر في مطلع 2014 لم تطبق بحيث يمكن الحكم على صلاحيتها، كما أن بعض المواءمات السياسية على الأرض فرضت تفسيرات غير سليمة لبعض مواده. لكن كل ذلك لا يقود إلي تغييرها، وإنما يؤكد ضرورة احترام الدستور وعدم العبث به لاسيما وأن درس التاريخ القريب يؤكد أن تعديلات دستور 1971 وعدم الالتزام بروحه كانا من بين أهم أسباب ثورة 25 يناير 2011.
رابعاً: تأمين حصة مصر السنوية من مياه النيل في ظل استمرار التهديد الإثيوبي باستكمال بناء سد النهضة، والإسراع في ملء خزان السد بما يسبب أضراراً بالغة بحقوق مصر في مياه النيل والذي تعتمد عليه اعتماداً كاملاً في شتى مناحي الحياة. ويقدر خبراء أن ملء خزان السد خلال ست سنوات كما تنوي إثيوبيا سيؤدي إلى خفض حصة مصر من مياه النيل بما يقدر بنحو 15 بليون متر مكعب. وقد اتبع الرئيس السيسي سياسة هادئة تقوم على الاعتراف بحقوق إثيوبيا في التنمية مع ضرورة احترام حقوق مصر في مياه النيل، والتي هي جزء من الأمن القومي.
خامساً: ضرورة التصدي بحزم وبسرعة للتحديات التي تطرحها أوضاع التعليم والبحث العلمي والصحة في المرحلة القادمة، وهي مشكلات موروثة وبالغة التعقيد لكنها لم تشهد اختراقات مؤثرة في الفترة الرئاسية الأولى كما حدث في مجالات تحديث البنية التحتية والطاقة والإسكان والأمن القومي ومحاربة الإرهاب، لذلك لا بد من إعادة تخصيص الموارد المتاحة لحل مشكلات التعليم والصحة والبحث العلمي، لأن النجاح فيها يضمن النجاح في تحقيق التنمية البشرية. وتعتبر الأخيرة أهم شروط نجاح التنمية والحفاظ عليها من جانب آخر، فإن التعليم الجيد سيدعم من جهود الدولة لمحاربة التطرف والغلو وتجديد الخطاب الإسلامي.
سادساً: تحدي استعادة قوة السياحة المصرية والتي خسرت الكثير من قوتها وجاذبيتها بعد الثورة المصرية قبل سبع سنوات ما أدى إلى خسائر اقتصادية هائلة، والمفارقة أن مقومات السياحة على حالها ولم تتضرر، ولكن ما حدث أن الإساءة لسمعة مصر وتصويرها كبلد يعاني من الإرهاب بخاصة بعد حادث الطائرة الروسية أديا إلى تعثر خطط استعادة قوة السياحة المصرية. ومع ذلك، يمكن القول إن الحكومة وصناعة السياحة المصرية لم تتحركا بالصورة المطلوبة وبالتالي لا بد من التركيز خلال هذا العام على تنفيذ إستراتيجية شاملة لاستعادة زخم السياحة، والتي حققت لمصر عام 2010 دخلاً بقيمة 12.5 بليون دولار، شكلت 11.3 في المئة من الناتج الإجمالي، بينما حققت 7.6 بليون دولار فقط عام 2017.
التحديات الستة السابقة لا تخفى عن الرئيس السيسي فهي حاضرة في خطابه العام، كما أنها لا تقلل من إنجازات الفترة الرئاسية الأولى، والتي لا بد من الحفاظ عليها واستمرارها بخاصة في استكمال تنمية محور قناة السويس، وتهيئة المناخ الجاذب للاستثمار المحلي والأجنبي مع تقديم أفكار وبدائل جاذبة، علاوة على استمرار جهود محاربة الفساد وتمكين الشباب والمرأة وإنهاء أزمة التمييز بين أهل الخبرة وأهل الثقة، والعمل على تحسين تصنيف مصر الدولي في مؤشرات الشفافية والإفصاح والحوكمة ومناخ الاستثمار وغيرها من المؤشرات الدولية. وأعتقد أن متطلبات المناخ الجاذب للاستثمار أو للسياحة تكمن في استمرار النجاح في محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار وتحسين ملف مصر في حقوق الإنسان. هكذا تبدو التحديات مترابطة؛ فسمعة مصر وصورتها في العالم وأمنها واستقرارها، عوامل تؤثر في مصير الاستثمار والسياحة، وليس صحيحاً دائماً أن الاستثمار الأجنبي يتطلع إلى حجم السوق والتسهيلات والاستقرار الداخلي فقط، وإنما ينظر أيضاً إلى بيئة الاستثمار ككل بما في ذلك مستويات التعليم والصحة وسيناريوات المستقبل في ما يتعلق بمياه النيل، وما قد يطرأ من تغيرات على علاقة الحكومة بالشعب.
نقلاً عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع