بقلم: خالد عكاشة
«باسل حسن» هذا الشاب الدنماركى، الذى تناولنا فى الحلقة السابقة العملية الشهيرة التى أعدها وفشل فى تنفيذها، حيث جرت وقائعها بالعاصمة كوبنهاجن فى 5 فبراير 2013، عندما حاول قتل الكاتب الدنماركى «لارس هيديجار»، أعقب ذلك هروب باسل واختفاؤه من الدنمارك بالكامل، ما توافر حينها أمام السلطات الأمنية الدنماركية أن باسل تحرك فور فشله فى العملية، ليتنقل سريعاً بين عدد من الدول الأوروبية المجاورة، قبل أن يكشف الأمن أنه هو من يقف وراء عملية الاعتداء، ومن إحدى الدول الأوروبية يطير إلى لبنان ليذوب هناك لفترة، أعقبها انتقال سلس عبر الحدود المشتركة إلى سوريا، ليحتل موقعه الذى بدا معداً سلفاً داخل صفوف «داعش».
ما جعل الأمن الدنماركى يحدد شخص «باسل حسن»، بأنه وراء الهجوم المسلح المشار إليه، أن باسل كان تحت المتابعة الأمنية بتوصيف أنه من «البيئة الإسلامية المتطرفة» اعتباراً من العام 2007، على خلفية ثبوت اتصالات جرت ما بينه وبين شخصين دنماركيين، أحدهما من أصول باكستانية والآخر من أصل أفغانى، فى سياق قضية عرفت باسم «شقة جولستروب»، وهى محل إقامة المذكورين، التى استخدماها فى تصنيع متفجرات بغرض تنفيذ عمليات إرهابية، تم إحباطها بمعرفة الأمن وجرى توقيف المتصلين بهما، الذين كان منهم «باسل حسن»، لكن لعدم ثبوت دور بعينه لباسل اكتفى فقط باستجوابه كشاهد، لاستيفاء معلومات عن الشخصين المقبوض عليهما، ووضعت حينها توصية بحقه مفادها أن يظل تحت «المتابعة الأمنية»، تفاصيل هذه القضية وتاريخها المبكر يدلان على أن باسل وقاطنى «شقة جولستروب» والمترددين عليها، كانوا فى تلك المرحلة من حياتهم يخطون الخطوات الأولى للتدريب والتخصص فى مجال إعداد العبوات الناسفة، ودراسة التعامل مع المواد المتفجرة.
فى محطة متقدمة زمنياً من الأحداث؛ كان تنظيم «داعش» قد انفصل بشكل كامل عن تنظيم «القاعدة» على الأراضى السورية، وقام بتنفيذ اقتحامه وتحطيمه للخط الحدودى ما بين سوريا والعراق، فى مايو من العام 2014، متوجهاً إلى مدينة «الموصل» العراقية، ليعتلى قائد التنظيم «البغدادى» منبر جامعها الكبير، ومنه يعلن ضم أراضى المحافظات العراقية الثلاث «نينوى، والأنبار، وصلاح الدين»، إلى أراضى «الدولة الإسلامية» الواقعة فى سوريا، بعد أسابيع من هذا الحدث، وقبل أن تفيق مدينة «الموصل» وقاطنوها من هول ما تفاجأوا به، خاصة أن الجيش العراقى والقوات الأمنية الحكومية، كانت قد غادرت تلك المناطق التى أعلن عنها تنظيم «داعش»، نفذ التنظيم عملية وصفت حينها باللغز، لما اكتنف ملابساتها لاحقاً من غموض كثيف، عندما هاجمت عناصره فى 11 يونيو 2014 مقر «القنصلية التركية» بالموصل، ليحتجزوا دبلوماسيين وجنوداً من القوات الخاصة، ومدنيين أتراكاً داخل مقر القنصلية، ويستولوا على كل ما فيها ويضعوا أمام الجانب التركى مهلة زمنية (3 أسابيع)، لتنفيذ شرط بالتخلى عن سيادتها على ضريح «سليمان شاه» الواقع فى سوريا، فى مقابل الإفراج عن (49 تركياً) يحتجزهم رهائن داخل المقر.
الملابسات التى دعت المراقبين حينها لوصف الواقعة باللغز «الكبير»، هى أن العلاقات وأشكال الحماية التى كان يحظى بها التنظيم، طوال سنوات النشأة والتمدد فى سوريا من قبل الاستخبارات العسكرية التركية، كانت رائحتها ومشاهدها منتشرة بصورة كبيرة، لذلك تعلق السؤال عن دوافع التنظيم فى ارتكابه لأول عملياته الكبيرة ضد تركيا على وجه الخصوص، فى فراغ لم يجد إجابة بل وتعمق عندما تبين أن الشرط الخاص بضريح «سليمان شاه»، هو شرط دعائى أطلق فقط للتداول الإعلامى، كى يعمى الحقيقة عن أعضاء التحالف الذى يفترض تركيا عضواً فيه، حيث جرت الصفقة بعيداً عن الأعين، بما له علاقة ببعض المحتجزين من عناصر «داعش» لدى الجانب التركى كان قد وضع يديه عليهم، أثناء تنقلهم على جانبى الحدود بين تركيا وسوريا، حيث ظلت الاستخبارات العسكرية التركية تسمح لهم بتجميع عناصر مقاتلة، على أراضيها كى ينتقلوا عبرها إلى الداخل السورى، ويقوم بتنفيذ ذلك والإشراف عليه قيادات من الصف الثانى للتنظيم، عندما توسع الأمر بشكل كبير خاصة فى أعوام الذروة (2012 - 2014)، كان تكتيك الاستخبارات التركية بأن غض الطرف وتقديم التسهيلات الممكنة، لا بد أن يوازيه بعض من أوراق الضغط التى يجب الاستحواذ عليها، فى حال خرج «داعش» عن النص، أو كانت هناك طلبات تركية هامة يلزمها قدر من المساومة مع التنظيم.
أهم وأنجح تلك الأوراق؛ كانت أن تقوم الاستخبارات التركية باحتجاز عناصر بعينها تدرك أهميتها بالنسبة للتنظيم. أحد هؤلاء كان «باسل حسن» الذى كانت تركيا تعلم قيمته داخل صفوف التنظيم، فهو حينها كان يعرف وسط أقرانه بأحد خبراء المتفجرات البارزين، والقادم للتنظيم من أوروبا استعداداً لانطلاقه على طريق التصعيد فى المناصب، فهو سيقدم ويبيع خبراته للتنظيم، وهو ما جرى بالفعل؛ ولذلك شمله قرار قضائى تركى صدر فى 23 أكتوبر 2014، أفرج بمقتضاه عن (15 داعشياً) كدفعة أولى، أعقبه دفعات متتالية لاحقة أوصلت العدد إلى ما يقارب (180 إرهابياً)، وتولى التنظيم حينها نقل وتأمين الرهائن من الموصل بالعراق، وصولاً إلى مدينة «تل أبيض» على الجانب السورى من الحدود مع تركيا، حيث كان بينهم القنصل العام التركى وأعضاء القنصلية وأبناء دبلوماسيين وجنود من القوات الخاصة التركية.
بالعودة إلى «آل الخياط» الذين ورد ذكر قصتهم فى المقال السابق، فإن «خالد الخياط» المعتقل بأستراليا هو الذى كشف مؤخراً أن قيادياً بداعش واختصاصياً فى تصنيع وتهريب العبوات الناسفة عبر المطارات، هو الذى زودهم بالعبوة التى وضعوها بطائرة شركة «الاتحاد»، وأن العبوة وردت إليهم من تركيا قبل أن يفشل تفجيرها على متن الرحلة المتجهة إلى أبوظبى، كما استكمل اعترافه مؤخراً بأن «باسل حسن» هو الذى يقف أيضاً وراء عملية مشابهة تمت على ذات النسق، بحق طائرة روسية أقلعت من مطار شرم الشيخ عام 2015.